الماضيين أيضا بشيء من التحليل الجديد، فأرخوا له ودرسوا حياة المتصوفة، ووقفوا من ذلك موقف المتفلسفين أحيانا والحائرين أحيانا أخرى، ونحن لا نزعم أننا سنأتي بدعا في تناولنا للطرق الصوفية، كما أننا لا نزعم أننا سنعالجها في عمومياتها، وفي مختلف مناطقها وعلاقاتها، ذلك أن خطتنا هي دراسة الطرق الصوفية في الجزائر منذ حوالي قرن ونصف، ودراسة تفاعلها مع الأحداث وتطوراتها مع الزمن المتغير، وقد كنا درسنا أصول التصوف وبعض الطرق في الجزء الأول من هذا الكتاب (?).

مصطلحات وتعاريف

وقبل أن نتناول تطور الطرق الصوفية وتفاعلاتها، نود أن نتعرض في البداية لبعض المصطلحات والتعريفات والمسائل المشتركة بينها، إن هناك عدة تعريفات للتصوف في الماضي والحاضر، وسنكتفي بتعريف ابن خلدون، إذ قال عن أصل طريقة القوم (التصوف): (وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيها مما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة) (?). وكان ذلك معروفا في الصحابة والسلف، حسب رأيه، ولما أقبل الناس على الترف في الدنيا، اختص الذين تمسكوا بالعبادة باسم الصوفية، فالتصوف عند ابن خلدون، إذن، عبادة ومجاهدة للنفس ومحاولة لإدراك الحقيقة.

وقد قال في مكان آخر (ص 864) (ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام، إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي النهاية المطلوبة للسعادة). وقد سمى المقام الذي أشار إليه (مقام التوحيد والعرفان). أي أن غاية المتصوف هو التوحيد والمعرفة، وفي مكان آخر ذكر ابن خلدون أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015