لغتهم وماضيهم وشخصيتهم. وأوعزت لبعض منهم ليخاطبوا مواطنيهم بما يرغب فيه الفرنسيون. فالجزائري لم يرفض التعليم بل كان يطالب به، ولم يرفض الفرنسية لو أنها كانت فقط لتدعيم ثقافته العربية الإسلامية. وقد جاء في العريضة الشهيرة المسماة (مقالة غريق) والتي حررها أهالي قسنطينة سنة 1891 قولهم للسلطات الفرنسية (إننا لا نستحي من القول بأن السبب المنافي للبعظ (كذا) منا من إرسال أولادهم إلى المدارس هو تحققهم بعدم تدريس لغتهم الأصلية العربية بتلك المكاتب (المدارس)، وخولهم من فساد عقولهم الضعيفة ونسيانهم لأصولهم ودينهم وملتهم) (?).
ومع ذلك فإن الذي ألغى المعهدين المذكورين ليس هم الجزائريين. ويقول بوليو إن إلغاء المعهدين سنة 1871 عمل تعصبي أو (شوفينيستي). وقد هنئ ديقيدون (الحاكم العام) في تقريره سنة 1873 على هذا العمل التخريبي. وقال بوليو إنه كان من المفروض أن تتوسع شبكة هذه المعاهد حتى تصل إلى عشرين أو ثلاثين مدينة في الجزائر، وبذلك تجلب إليها عشرة آلاف من الشبان الجزائريين الذين يمكن لفرنسا ممارسة نفوذها عليهم عقليا ومعنويا. وطالب بأن يكون للغة العربية مكانها في الجزائر حتى في الليسيات الفرنسية، وهي في نظره لغة واجبة على الفرنسيين أيضا لأنها وسيلتهم إلى السفر نحو السودان والصحراء والمغرب الأقصى. وندد بوليو بالشعور المعادي لتعليم الجزائريين وللردة التي ظهرت في الوثائق الرسمية، كما قال، منذ سنة 1870، وهو الشعور الذي غذته النقمة من ثورتي 1871 و 1881 (?).
ورغم أن المعهدين لا يمكن اعتبارهما مدرستين ثانويتين للجزائريين، كما ذكرنا، فإنهما كانا نافذتين لمن يرغب في متابعة الدراسة المتوسطة وحتى الثانوية بعد اجتياز مرحلة المدرسة الابتدائية المسماة العربية - الفرنسية.