ويبدو أنه كان لهذا الإجراء نتائجه. فقد انكمشت الكتاتيب وكادت تنعدم في بعض الجهات، سيما تلك الواقعة تحت النظر المباشر للسلطات الفرنسية. فقد شنت الحرب على العربية والإسلام في منطقة زواوة، كما ذكرنا، على يد الإدارة وكذلك على يد الكنيسة بقيادة الكاردينال لافيجري. ولاحظ الدارسون سنة 1904 أن أرياف منطقة التيطري أصبحت أمية تماما في القراءة والكتابة باللغة العربية، إذ ليس فيها مدارس عربية ولا زوايا. ولم يجد هذا الدارس سوى الآغا عبد القادر بن الجيلاني يعطي تعليما قرآنيا محدودا ناحية المدية. وأصبح وجود معلمي القرآن نادرين حتى إن من كان يرغب منهم في معرفة اللغة العربية عليه أن يذهب إلى زوايا منطقة زواوة، لأن زاوية الهامل وزاوية قصر البخارى فقدتا جاذبيتهما بعد وفاة شيخيهما (القاسمي والموسوم)، وكان الأطفال يذهبون أحيانا إلى الشيخ سيدي العربي بن الطاهر في معسكر (موران)، ولكن حظهم كان ضعيفا في التعليم (?). وإصلاحات 1892 الخاصة بالتعليم للجزائريين كان أول ضحاياها التعليم القرآني أيضا. فمن جهة انغرست إلى جانب الزوايا الشهيرة بتعليم القرآن مدرسة فرنسية (أهلية). ومن جهة أخرى حددت شروط فتح المدرسة القرآنية ولم يعد الأمر متروكا للزاوية أو المؤدب. فقد نص مرسوم 18 أكتوبر 1892 على ضرورة أن يلبي المؤدبون في المدارس القرآنية (الكتاتيب) شروط الصحة، وهذا شيء مهم ولا جدال فيه، ولكن الذي يلفت النظر في هذا المرسوم هو الاشتراط عليهم عدم استعمال وظائفهم لتعليم أمور أخرى غير القرآن، تلك (الأمور الأخرى) المضادة للأمن العام والتي (تعود إلى عهود مضت). ونص المرسوم على الغلق الدائم أو المؤقت للمدارس التي تخالف هذا القانون (?). وقد تعلل ألفريد بيل صلى الله عليه وسلم.رضي الله عنهel الذي درس موضوع المدرسة القرآنية بالتفصيل، بأن الأهالي إنما كانوا يرسلون أولادهم إلى المدرسة القرآنية ليتعلموا شؤون دينهم فقط متمثلة في القرآن والصلوات ... وهذا في أصله صحيح ولكن عند أي نقطة تتوقف معرفة الدين، هل هي حفظ أجزاء من القرآن والوقوف على فرائض