ناظر الأوقاف بوصية من العائلات، وهو (المؤدب) يقوم بدور الإمام والحزاب أيضا. وله منزل خاص به، وله أجر من أولياء التلاميذ يقدر بحوالي 14 ف. بالإضافة إلى الهدايا التي يتلقاها بمناسبة الأعياد وعددها أحد عشر عيدا، ويتلقى أيضا تبرعات مختلفة سيما عندما يحفظ التلميذ أجزاء من القرآن. وبذلك قدر دخل المعلم (المؤدب) بحوالي ثلاثين فرنكا سنويا، زيادة على عطاءات أهل الخير والإحسان.
ولكن منذ الاحتلال تدهور كل ذلك. ففي عشر سنوات (1847) (?)، كاد يختفي التعليم في هذه المدينة (قسنطينة) العريقة في خدمة العلم والعلماء. ولم يبق من 600 أو 700 تلميذ في الثانوي سوى 60 فقط. والمدارس الابتدائية التي كانت تسعين لم يبق منها سوى ثلاثين، ولا يتجاوز الأطفال فيها 350 بعد أن كانوا بين 1، 300 و 1، 400. هذه إذن هي رسالة فرنسا الحضارية للجزائريين. وقد كان صاحب التقرير (الجنرال بيدو) والمعلق عليه (دي طوكفيل) صريحين جدا في ذلك. فقد قال بيدو أننا أهملنا التعليم في عاصمة الإقليم (قسنطينة) مما سيعطي لرجال الزوايا أهمية كبيرة ويزيد من نفوذهم وقوتهم بين السكان. وواضح من تقرير الجنرال أن خوفه ليس على الجزائريين من الجهل، ولكن على مصير الوجود الفرنسي من نفوذ الزوايا. ذلك أن اختفاء المعلمين قد حول أنظار الناس إلى شيوخ الزوايا في الأرياف. أما دي طوكفيل فهو صاحب الصيحة الشهيرة: (إننا جئنا لإضاءة الشموع فأطفانا الموجود منها)، وهو يقصد هنا بالشموع المدارس. ولكن دي طوكفيل كان أيضا في صالح الرسالة الحضارية الفرنسية وتثبيت الاستعمار في الجزائر (?).
لقد نقصت المدارس والمساجد بعد أن حولت مداخيل أملاكها (الأوقاف) إلى أملاك الدولة كما ذكرنا، وتوقفت الدولة الفرنسية المحتلة عن