الذي يقرأ القرآن الكريم يجد للآيات المكية خصائص، ليست للآيات المدنية في وقعها ومعانيها، وإن كانت الثانية امتداداً للأولى في الأحكام والتشريع، فحيث كان القوم في جاهلية تعمى وتصم، يعبدون الأوثان ويشركون بالله، وينكرون الوحي، ويكذبون بيوم الدين.
{وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُون} 1
{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْر} 2
وهم ألداء في الخصومة، أهل ممارات ولجاجات في القول. عن فصاحة وبيان، حيث كان القول. كذلك نزل الوحي المكي قوارع زاجرة، وشهبا منذرة، وحججا قاطعة، يحطم وثنيتهم في العقيدة، ويدعوهم إلى توحيد الألوهية والربوبية، ويهتك أستار فسادهم، ويقيم دلائل النبوة، ويضرب الأمثلة للحياة الآخرة، وما فيها من جنة ونار، ويتحداهم على فصاحتهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن، ويسوق إليهم قصص المكذبين الغابرين عبرة وذكرى، فتجد في مكي القرآن ألفاظا شديدة القرع على المسامع، تقذف حروفها بشرر الوعيد، وألسنة العذاب، فكلا الرادعة الزاجرة، والصاخة والقارعة، والغاشية والواقعة، وحروف الهجاء من فواتح السور، وآيات التحدي في ثناياها، ومصير الأمم السابقة.