وكانت الغاية من الدراسات الإسلامية هي استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها التفصيلية فيما يجد للناس من حوادث، وما يعرض لهم من مشكلات، والفقه الإسلامي بمصادره هو الأصل الذي يحكم سلوك الأفراد وتصرفاتهم، وحياة الجماعة، ونظام الحكم، وشئون الاقتصاد، والسياسة.
ولكن الضعف السياسي الذي لحق الأمة الإسلامية في عصورها الأخيرة بعد نجاح آمر أعدائها عليها، وتمزيق شمله، وما تبع ذلك من تخلف فكري وغزو ثقافي ...
لكن هذا وذاك أتاح الفرصة لأعداء الإسلام في إشاعة اتهامه بالقصور، وعجزه عن تلبية حاجات العصر، ولا سيما أن الدراسات الفقهية ظلت جامدة متخلفة، فنشأ جيل من أبناء الأمة أرضع لبان الفكر الغربي، واستهواه الاستغراب في ديار الإسلام؛ فأراد استبدال دراسةالحقوق القانونية الغربية بدراسة الفقه الإسلامي، وكان له ما أراد وساعد على ذلك غياب الإسلام عن مجال الحكم كما سيأتي في الفقرة التالية.
لقد تسرب هذا الدخيل في بلادنا عن طريق الدراسة بما يسمى: "بكليات الحقوق" أو "معاهد الحقوق". والدراسة في هذه الكليات: لحمتها وسداها: الحقوق الغربية، وما يتفرع عنها من قوانين وضعية؛ حيث لا يدرس الفقه الإسلامي إلا في مادة واحدة تتعلق بأحكام الأسرة، تعرف "بالأحوال الشخصية".
وهكذا وقع الازدواج في الدراسات الفقهية؛ حيث توجد "كليات الشريعة" في معظم البلاد الإسلامية لدراسة الفقه الإسلامي ومصادره في جميع مجالات الحياة، وتوجد كذلك "كليات الحقوق" لدراسة الحقوق الغربية وقوانينها الوضعية، وزاحمت هذه تلك، وتوشك أن تضيق عليها الخناق، لتطمس معالم الدراسات الفقهية، كما هو معهود لدينا في بعض البلاد.