ومنهج الإسلام في الدعوة إلى تلك العقائد يعتمد على الحجة العقلية وذلك بلفت أنظار الناس إلى التفكير في الكون، وتدبر ما فيه من دلائل القدرة وبديع الخلق، وكيف تسير عوالمه المختلفة على نسق محكم، يدل دلالة قاطعة على وجود خالق مدبر لهذا الكون، إذ لا يتأتى أن يكون هذا الإحكام وليد الصدفة، وإذا صح الإيمان بالله تبع ذلك الإيمان بملائكته وكتبه ورسله اليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
والقرآن المكي بسورة وآياته يمثل هذا الاتجاه في إرشاد الناس إلى التفكير في الكون، والنظر في أرضه وسمائه، وما أودع الله فيه من أسراره، وما اشتمل عليه من دقة وإحكام، في وحدة متناسقة لا يعتريها خلل أو اضطراب، مما يوجب التصديق القلبي بوحدانية الخالق المدبر، والإيمان بأن هذا الكون سائر بتدبيره إلى الغاية التي حددها له سبحانه بعلمه وحكمته، وعندئذ يفعل به ما يشاء، مما أشارت إليه كتبه وآياته البينات، ووحيه المنزل، من ظواهر الانحلال والفناء، حيث تكون الدار الآخرة.
والقرآن الكريم في العصر المكي يعالج هذه الجوانب، فيخاطب المشركين بالمنطق الفطري في آيات قصيرة المقاطع ناصعة الحجة، تتصل اتصالا وثيقا بمظاهر بيئتهم.
{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} 1.
{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ، أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ، قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ، بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ، أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ، وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ