واتعظ بما فيه، فتلزمه الحجة، وفي صحيح الحديث: "القرآن حجة لك أو عليك" 1. ولذا كان تدبره واجبًا، حتى يفتح مغاليق القلوب، وتستنير به الأفئدة، ويقود الناس إلى الوقوف عند حدوده، والعمل بما فيه {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه} 2، وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} 3. وله من روعة التنزيل وجلال الأحكام والمواعظ ما تتصدع منه الجبال الرواسي، ولكن الله امتَنَّ على عباده، فجعل القرآن ربيع قلوبهم، وجلاء بصائرهم، ونور حياتهم {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّه} 4، وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون فتن كقطع الليل المظلم"، قلت: يا رسول الله وما المخرج منها؟ قال: "كتاب الله تبارك وتعالى؛ فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنتهِ الجن إذ سمعته أن قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا، من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم" 5.
وقد نزل القرآن الكريم منجما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنزل الآية أو الآيات حسب الوقائع والأحداث، وما يريده الله تعالى من تشريع؛ تثبيتًا لفؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبالغة في الإعجاز، وتدرجا في التشريع، وتيسيرا لحفظه وفهمه، ودلالة قاطعة على أنه تنزيل من حكيم حميد6.
أما الكتب السماوية الأخرى: التوراة والإنجيل والزبور، فكان نزولها جملة لا مفرقة.