ثم خرجوا إلى قرية قريبة من الكوفة تسمى "حروراء" وسموا حينئذ "بالحرورية" نسبة إلى هذه القرية، كما سموا "بالمحكمة"؛ لأنهم يقولون: "لا حكم إلا الله". وأمروا عليهم رجلا اسمه عبد الله بن وهب الراسبي.
أما تسميتهم بالخوارج؛ فلأنهم خرجوا على وصحبه، وقد يجعل بعضهم هذا الاشتقاق من الخروج في سبيل الله أخذا من قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} 1، وسموا كذلك "الشراة" أي الذين باعوا أنفسهم لله، من قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه} 2. وقد حاربهم على رضي الله عنه وهزمهم، وقتل منهم كثيرا في وقعة "النهروان" فأمعنوا في عدائه، وكادوا له حتى دبروا مؤامرة قتله، فقتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي.
وظل الخوارج شوكة في جنب الدولة الأموية يهددونها ويحاربونها في جرأة وشجاعة، وكبدوها خسائر فادحة في معارك متواصلة، ويجدر بنا الإشارة إلى أنهم كانوا قسمين:
أحدهما: بالعراق وما حوله، وكان أهم مركز لهم "البطائح" بالقرب من البصرة، وقد استولوا على كرمان وبلاد فارس، وهددوا البصرة، وهؤلاء هم الذين حاربهم المهلب بن أبي صفرة، واشتهر من رجالهم نافع بن الأزرق، وقطرى بن الفجاءة.
ثانيهما: بجزيرة العرب، وقد استولوا على اليمامة، وحضرموت، والطائف، ومن أشهر أمرائهم أبو طالوت، ونجدة بن عامر.
واستمرت حروب الخوارج طوال عهد الدولة الأموية، ثم ضعف شأنهم في عهد الدولة العباسية.