الشرطة بحفظهم وكفّ كلّ أحد عن التعرّض لهم، فكثر الراغبون إليه في ذلك حتى صاروا يلقونه أفواجا أفواجا، وكان يطلق ذلك لهم، فعاد منهم عدد كثير، وتوقّفت الرؤساء والصدور منهم عن الرجوع إلى ديانتهم حذرا على نفوسهم من أن يكون إجابة الحاكم لمن فسح له في ذلك على سبيل الحيلة عليهم والخديعة لهم، لاستكشافه ما في ضمائرهم، وظنّا منهم أنه يتتّبعهم فيما بعد ويأتي عليهم فعاجلته المنيّة، وكفي الذين رجعوا منهم إلى النّصرانيّة ما كان أولئك يحاذرونه، وبقي كلّ من الفريقين على حاله.
وكان ما أتاه الحاكم في هذا المعنى من تسامحه بعمارة الكنائس وتجديدها وإعادة أوقافها إليها بعد ما تقدّم من مغالاته في هدمها وتأكيده في قلع أساساتها ومحو آثارها، ومن الترخيص للنّصارى الذين تظاهروا بالإسلام في العودة إلى دينهم بعد تسع سنين، منذ تظاهروا بالإسلام مع حظر ذلك في ديانة المسلمين. وفي ناموسهم القتل على فاعله، من آيات الله المعجزة وعجائبه الباهرة الدالّة على عنايته بشعبه، وتحقيقه لسالف وعده إذ يقول إنّني لست أخليكم في كلّ عصر من أركون لكم، فجعل جلّ ثناؤه أركونهم المنقذ لهم ممّا غشاهم وألمّ بهم من كان اضطّهادهم على يده واستضامتهم من قبله.
وتخوّفوا أن يعقبهم بإساءته، أو يتخطّى إليهم أحد من الرعيّة بمكروه وجزعوا، فأنهى إليه أنبا صلمون رئيس دير طورسينا ما خالطهم، وقام في نفوسهم، فكتب لهم سجلا يؤمّنهم به هذه نسخته:
«بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من عبد الله ووليّه المنصور أبي عليّ الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين ابن الإمام العزيز بالله أمير المؤمنين، لجماعة النصارى بمصر، عندما أنهوا إليه الخوف الذي لحقهم والجزع الذي هالهم فأقلقهم واستذراءهم (?) بظلّ الدولة، وتحرّمهم بحضور الحضرة، بما رآه وأمر به من تكميل النعمة عليهم بتوخّيه لهم ذمّة الإسلام