تجدُّد الفتنة بين السُّنة والشيعة:
في صفر تجدَّدت الفتنة بين الشّيعة والسُّنة، وزال الاتّفاق الذي كان عام أول، وشرع أهل الكرخ في بناء باب السمَّاكين، وأهل القلّايين في عمل ما بقي من بابهم. وفرغ أهل الكرخ من بنيانهم وعملوا أبراجًا وكتبوا بالذهب: محمّدٌ وعليٌّ خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر1.
وثارت الفتنة وآلت إلى أخذ ثياب الناس في الطرق، وغُلِّقت الْأسواق، ووقفت المعايش، وبعد أيام اجتمع للسُّنة عددٌ يفوق الْإِحصاء، وعبروا إلى دار الخلافة، وملَأوا الشّوارع، واخترقوا الدهاليز، وزاد اللغط، فقيل لهم: سنبحث عن هذا. فهاج أهل الكرخ، ووقع القتال، وقُتل جماعة منهم واحدٌ هاشمي. ونهب مشهد بن التِّبن، ونبشت عدّة قبور وأُحرقوا، مثل: العوفي، والناشئ، والْجُذوعي، وطرحوا النار في المقابر والتُّرَب، وجرى على أهل الكرخ خزيٌّ عظيم، وقُتِلَ منهم جماعة، فصاروا إلى خان الفقهاء الحنفيين، فأخذوا ما وجدوا، وأحرقوا الخان، وقتلوا مُدرِّس الحنفيّة أبا سعد السرخسيّ2، وكبسوا دور الفقهاء، فاستُّدعي أبو محمد بن النسويّ، وأُمِرَ بالعبور فقال: قد جرى ما لم يجرِ مثله، فإن عبر معي الوزيرُ عبرتُ، فقويت يده، وأظهر أهل الكرخ الحزن، وقعدوا في الْأسواق للعزاء على المقتولين. فقال الوزير: إن واخذنا الكُلّ هرب البلد، والَأولى التغاضي.
فلمَّا كان في ربيع الْآخر خُطب بجامع براثا مأوى الشّيعة، وأُسقط من الْأذان "حي على خير العمل"، ودقَّ الخطيب المنبر بالسيف، وذكر في خطبته العبّاس.
كبس العيّارين دار النسوي:
وفي ذي الحجة كبس العيّارون دار أبي محمد بن النسوي وجرحوه جراحات عِدَّة.