فَتَمَنَّيْتُ أَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَرْضَ الْمَدِينَةِ فَرَقًا من حِينَ قَالَ أَقْعِدُونِي. ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَمَّرْتُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ؟ قُلْتُ: فُلانًا، قَالَ: إِنْ تُؤَمِّرُوهُ فَإِنَّهُ ذُو شَيْبَتِكُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَرَأَيْتَ الْوَلِيدَ يَنْشَأُ مَعَ الْوَلِيدِ وَلِيدًا وَيَنْشَأُ مَعَهُ كَهْلًا، أَتَرَاهُ يَعْرِفُ مَنْ خَلَقَه؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَمَا أَنَا قَائِلٌ لِلَّهِ إِذَا سَأَلَنِي عَمَّنْ أَمَّرْتُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ: فُلانًا، وَأَنَا أَعْلَمُ مِنْهُ مَا أَعْلَمُ! فَلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَرْدُدْنَهَا إِلَى الَّذِي دَفَعَهَا إِلَيَّ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ عَلَيْهَا مَن هُوَ خَيْرٌ مِنِّي لَا يَنْقُصُنِي ذَلِكَ مِمَّا أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا.
وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دخل على عُمَر عثمان، وعليٌ، والزُّبَيْر، وابن عوف، وسعد -وكان طلحة غائبًا- فنظر إليهم ثمّ قَالَ: إنّي قد نظرتُ لكم في أمر النّاس فلم أجد عند النّاس شقاقًا إلَّا أنْ يكون فيكم، ثُمَّ قَالَ: إنّ قومكم إمّا يؤمِّروا أحَدَكُم أيُّها الثلاثة، فإنْ كنت على شيء من أمر النَّاس يا عثمان فلا تحملن بني أبي مُعَيْط على رقاب الناس، وإن كنت علي شيء من أمر النَّاس يا عبد الرحمن فلا تحملنّ أقاربك على رقاب النَّاس. وإنْ كنت على شيء من أمر النَّاس يا عليّ فلا تحملنّ بني هاشم على رقاب النَّاس، قوموا فتشاوروا وأمِّروا أحدكم، فقاموا يتشاورون.
قَالَ ابن عُمَر: فدعاني عثمان مرَّةً أو مرتين ليُدْخلني في الأمر ولم يُسَمِّني عُمَر، ولا والله لَقَلَّما سمعته حوّل شفتيه بشيء قطّ إلا كان حقًا، فلمّا أكثر عثمانُ دعائي قلت: ألا تعقلون! تُؤمِّرون وأميرُ المؤمنين حيّ! فَوَالله لكَأنّما أيقظتهم، فَقَالَ عُمَر: أمْهِلوا فإن حدث بي حدث فلْيُصل للناس صُهيْب ثلاثًا ثُمَّ اجْمعوا في اليوم الثالث أشراف النَّاس وأمراء الأجناد فأمِّروا أحدكم، فمن تأمرَّ عَنْ غير مشورةٍ فاضربوا عُنُقَه.
وَقَالَ ابن عُمَر: كان رأس عُمَر في حجْرى فَقَالَ: ضع خدّي على الأرض، فوضعتُهُ فَقَالَ: وَيْلٌ لي وَوَيْلُ أمّي إنْ لم يرحمني ربّي.
وعن الحُوَيْرِث قَالَ: لمّا مات عُمَر ووُضِعَ ليُصَلَّى عليه اقتتل عليّ وعثمان أيُّهما يصلّي عليه، فَقَالَ عبد الرحمن: إنّ هذا لهو الحِرْص على الإمارة،