أَرْضِ الْبَصْرَةِ، فَغَزَا الْأُبُلَّةَ1 فَافْتَتَحَهَا، وَدَخَلَ مَيْسَانَ2 فَغَنِمَ وَسَبَى مِنَ الْقُرَى، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ السَّوَادِ، فَأَخَذَ عَلَى أَرْضِ كَسْكَرٍ3 وَزَنْدَوَرْدٍ4 بَعْدَ أَنِ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْبَصْرَةِ قُطْبَةَ بْنَ قَتَادَةَ السَّدُوسِيَّ، وَصَالَحَ خَالِدٌ أَهْلَ أُلَّيْسَ5 عَلَى أَلْفِ دِينَارِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ، ثُمَّ افْتَتَحَ نَهْرَ الْمَلِكِ6، وَصَالَحَهُ ابْنُ بُقَيْلَةَ صَاحِبُ الْحِيرَةِ عَلَى تِسْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ سَارَ نَحْوَ أَهْلِ الْأَنْبَارِ فَصَالَحُوهُ.
ثُمَّ حَاصَرَ عَيْنَ التَّمْرِ7 ونزلوا على حكمه، فقتل وسبى.
وَفِيهَا لَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ بِكِتَابَةِ الْقُرْآنَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَأَخَذَ يَتَتَبَّعُهُ مِنَ الْعُسُبِ8 وَاللَّخَافِ9 وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى جَمَعَهُ زَيْدٌ فِي صُحُفٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: وَلَمَّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنْ فُتُوحِ مَدَائِنِ كِسْرَى الَّتِي بِالْعِرَاقِ صُلْحًا وَحَرْبًا خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ مُتَكَتِّمًا بِحَجَّتِهِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ تَعْتَسِفُ الْبِلَادَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَتَأَتَّى لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَأَتَّ لِدَلِيلٍ، فَسَارَ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْحِيرَةِ، لَمْ يُرَ قَطُّ أَعْجَبُ مِنْهُ وَلَا أَصْعَبُ، فَكَانَتْ غَيْبَتُهُ عَنِ الْجُنْدِ يَسِيرَةً، فلم يعلم بحجة أحدا إِلَّا مَنْ أَفْضَى إِلَيْهِ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجِّهِ عَتَبَهُ وَعَنَّفَهُ وَعَاقَبَهُ بِأَنْ صَرَفَهُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا وَافَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ حَجِّهِ بِالْحِيرَةِ يَأْمُرُهُ بِانْصِرَافِهِ إِلَى الشَّامِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ بِهَا مِنْ جُمُوعِ الْمُسْلِمِينَ بِالْيَرْمُوكِ، وَيَقُولُ لَهُ: إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ لِمِثْلِهَا.
قُلْتُ: وَإِنَّمَا جَاءَ الْكِتَابُ بِأَنْ يَسِيرَ إِلَى الشَّامِ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ ثلاثة عشرة.