شرفُ الخلافة يا بني العباس ... اليوم جدّده أَبُو العبّاس
ذا الطّوْد بقّاه الزّمان ذخيرةً ... من ذلك الجبل العظيم الراسي
وحُمل إلى القادر بعض الْآَلات المأخوذة من الطائع، واستكتب "له" أَبُو الفضل محمد بن أحْمَد عارض الدَّيْلم، وجعل اسْتَدَارَه عبد الواحد بن الحسين الشِيرازي: وفي شوّال عُقد مجلس عظيم، وحلف القادر وبهاء الدولة كلُّ منهما لصاحبه بالوفاء، وقلَّده القادر ما وراء بابه، ممّا تُقام فيه الدَّعوة.
وكان القادر أبيض، حَسَن الجسم، كَثَّ اللحية، طويلها، يخضِب. وصفه الخطيب البغدادي1 بهذا، وقال: كان من الدّيانة والسيادة وإدامة التهجُّد، وكثرة الصَّدقات، على صفةٍ اشتهرت عنه، وقد صنَّف كتابًا في الْأصول، ذكر فيه فضائل الصحابة وإكفار المعتزلة، والقائلين بخلْق القرآن.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني2 أنّ القادر كان يلبس زِي العَوَامّ، ويقصد الْأماكن المعروفة بالخير والبركة، كقبر معروف3 وغيره، وطلب من ابن القِزْوِيني الزّاهد أنْ يُنْفِذ له من طعامه الذي يأكله، فأنفذ إليه باذنجانا مقلُوًّا بِخَلٍّ وباقِلاء ودِبْس وخُبْز بَيْتيّ، "وشدّه" في مَيْزَر، فأكل منه، وفرّق الباقي، وبعث إلى ابن القزويني مائتي دينار، فقبلها. ثم بعد أيام طلب منه طعامًا، فأنفذ إليه طبقًا جديدًا، وفيها زبادي فيها فراريج وفالُوذَج، ودجاجة مشويّة وفالوذجة، فتعجّب الخليفة، وأرسل يكلّمه في ذلك، فقال: ما تكلّفت، لما وُسِّعَ عليّ وُسَّعْت على نفسي، فتعجّب من عقله ودينه. ولم يزل4 يواصله5 بالعطاء.
وفي ذي الحجّة، يوم عيد الغدير جرت "فتنة" من الرافضة وأهل باب البصْرة، واستظهر أهل باب البصرة، وحرقوا أعلام السلطان، فقُتِل يومئذ جماعة اتُّهموا بفعل ذلك، وصُلبوا، فقامت الهيبة، وارتدع المفسد6.