قال الحاكم: وقد حج بالناس، وخطب بمكة، وقدم إليه المقام وهو قاعد في جوف الكعبة، ولقد سمعتهم بمكة يذكرون أنَّ هذه الولاية لم تكن قط لغيره، ومن شعره:
نزلنا مكرهين بها فلما ... ألفناها خرجنا كارهينا
وما أحب الديار بنا ولكن ... أمر العيش فرقة من هوينا
وذكر الحاكم من عظمة أبي محمد المزني أنَّه كان فوق الوزراء، وأنهم كانوا يصدون عن رأيه، وجاور مرة بمكة، قال: وكنت ببخارى أستملي له، فذكر أنه حصل له وجد وشيء من غشي بسبب إملاء حكاية وأبيات، وتوفِّي بعد جمعة في سابع عشر رمضان سنة ست وخمسين، ورأيت الوزير أبا على البلعمي وقد حَمَلَ في تابوته، وأحضر إلى باب السلطان، يعني ببخارى، للصلاة عليه، ثم حمل تابوته إلى هراة فدفن بها، فسمعت ابنه بشرًا يقول: آخر كلمة تكلم بها: أن قبض على لحيته ورفع يده اليمنى إلى السماء وقال: ارحم شيبة شيخ جاءك بتوفيقك على الفطرة.
قال الحاكم: وسمعت أبا الفضل السليماني، وكان صالحًا، يقول: رأيت أبا محمد المزني في المنام بعد وفاته بليلتين وهو يتبختر في مشيته ويقول بصوت عالٍ: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص: 60] .
وقال أبو النَّضر عبد الرحمن بن عبد الجبّار الفامي في "تاريخ هراة": أَحْمَد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بن محمد بن بشر بن مغفل بن حسان بن عبد الله بن مغفل المزني الملقب بالباز الأبيض. كان إمام عصره بلا مدافعة في أنواع العلوم، مع رتبة الوزراة، وعلوّ القدر عند السلطان. لم يذكر له مولدًا، ولعله في حدود السبعين ومائتين.
175- أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بن عبد الله بن صفوان، أبو بكر بن أبي دجانة النصري الدمشقي العدل.
سمع أباه، وعبد الملك بن محمود بن سميع، وإبراهيم بن دُحَيْم، وعبد الرحمن بن القاسم الرواس، والحسن بن الفرج الغزي، وابن سلم المقدسي، ومحمد بن النفاح الباهلي، ومحمد بن زبان، وطائفة كبيرة بمصر والشام، وعنه تمام، وعبد الوهاب الميداني، وعبد الرحمن بن عمر بن نصر، وعلي بن موسى السمسمار، وانتقى عليه الحافظ ابن منده سعبة أجزاء.