من القاضي منذر بْن سعَيِد، رحمه الله، يحركه للخروج، فقال الرَّسُول لبعض الخدم: يا ليت شِعْري ما الَّذِي يصنعه الأمير؟

فقال: ما رَأَيْته أخشع لله منه فِي يومنا هذا، وأنه منفرد بنفسه، لابس أخشن ثيابه، يبكي ويعترف بذنوبه، وهو يَقُولُ: هذه ناصيتي بيدك، أتراك تعُذّب الرّعيّة من أجلي وأنت أحكم الحاكمين، لن يفوتك شيء منّي. فتهلّل وجه القاضي لمّا بلغه هذا، وقال: يا غلام أحمل الممْطَر معك، فقد إذِن اللَّه بسُقْيانا. إذا خشع جبار الأرض رحم جبّار السّماء. فخرج، وكان كما قَالَ.

وكان عبد الرحمن يرجع إلى دين متين وحسن خلق. وكان فِيهِ دُعابة. وكان مَهيبًا شجاعًا صارمًا، ولم يتسمَّ أحدٌ بأمير المؤمنين من أجداده. إنّما يُخطب لَهُم بالإمارة فقط.

فلمّا كَانَ سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وبلغه ضعف الخلافة بالعراق، وظهور الشيعة بالقيروان، وهم بنو عُبّيْد الباطنية، تسميّ بأمير المؤمنين. توفي في أوائل رمضان، وكان حشمته وأُبَّهَتُهُ أعظم بكثيرٍ من خلفاء زمانه الذين بالعراق.

وكان الوزير أَبُو مروان أَحْمَد بْن عَبْد الملك بْن شُهيد الأشجعي الأندلُسيّ مَعَ جلالته وزيره. ولقد نقل بعض المؤرخين -أظنه أَبَا مروان بْن حيّان- أنّ ابن شُهَيْد قدَّم مرّةً للخليفة الناصر تقدمة تتجاوز الوصف.

وهي هذه: من المال خمسمائة ألف دينار، ومن التبر أربعمائة رطل برطْلهم، ومن سبائك الفضة مائتا بدرة، ومن العود الهندي اثنا عشر رطلًا، ومن العود الصنفي مائة وثمانون رطلًا، ومن العود الأشباه مائة رطل، ومن المسك مائة أُوقية، ومن الكافور ثلاثمائة أُوقيّة، ومن الثّياب ثلاثون شُقَّة، ومن الفراء عشرة من جلود الفنك، وستة سُرادقات عراقية، وثمانية وأربعون ملحفةً بغدادية لزينة الخيل من الحرير المرقوم بالذهب، وثلاثون شُقَّة لسُرُوج الهيئات، وعشرة قناطير سمّور، وأربعة آلاف رطل حرير مغزول، وألف رطل حرير بلا غزل، وثلاثون بساطًا، البساط عشرون ذراعًا، وخمسة عشر نخًا من معمول الخز، وألف ترس سلطانية، وثمانمائة من تخافيف التّزّيين يوم العرض، ومائة ألف سهم، وخمسة عشر فَرَسًا فائقة، وعشرون بغلًا مسرجة بمراكب الخلاف. ومن الخيل العتاق مائة رأس، ومن الغلمان أربعون وصيفًا وعشرون جارية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015