بِأَوْطَاسٍ1. فَقَالَ دُرَيْدٌ حِينَ نُزُلوِهَا فَسَمِعَ رُغَاءَ البعير ونهيق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير: بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: بِأَوْطَاسٍ. فَقَالَ: نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ؛ لا حَزْنٌ ضَرِسٌ، وَلا سَهْلٌ دهس. ما لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ وَيُعَارَ الشَّاءِ؟ قَالُوا: سَاقَ مَالِكٌ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ فَدُعِيَ مَالِكٌ. فَقَالَ: يَا مَالِكُ، إِنَّكَ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ قَوْمِكَ، وَإِنَّ هذا يوم كائن له ما بَعْدَهُ مِنَ الأَيَّامِ، فَمَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ تَسُوقَ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلِّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَمَالَهُ لِيُقَاتِلَ عَنْهُمْ. فَأَنْقَضَ بِهِ2 دُرَيْدٌ وَقَالَ: رَاعِي ضَأْنٍ وَاللَّهِ؛ وَهَلْ يَرُدُّ وَجْهَ الْمُنْهَزِمِ شَيْءٌ؟ إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لَكَ لَمْ يَنْفَعْكَ إِلا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ فُضِحْتَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ. فَارْفَعِ الأَمْوَالَ وَالنِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ إِلَى عُليا قَوْمِهِمْ وَمُمْتَنِعِ بِلادِهِمْ. ثُمَّ قَالَ دُرَيْدٌ: وَمَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلابٌ؟ فَقَالُوا: لَمْ يَحْضُرْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَقَالَ: غَابَ الْحَدُّ وَالْجَدُّ، فَمَنْ حَضَرَهَا؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ فَقَالَ: ذَانِكَ الْجَذَعَانِ3 لا يَضُرَّانِ وَلا يَنْفَعَانِ.
فَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدٍ فِيهَا رَأْيٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ وَكبِرَ عِلْمُكَ، وَاللَّهِ لَتُطِيعَنَّنِي يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ، أَوْ لأَتْكِئَنَّ عَلَى هَذَا السَّيْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي. فَقَالُوا: أَطَعْنَاكَ. ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ لِلنَّاسِ: إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونُ سُيُوفِكُمْ، ثُمَّ شُدُّوا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ مَكَّةَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ، فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا نُغْلَبُ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ. فَانْتَهَوْا إِلَى حُنَيْنٍ، لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ.
وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ بِالتَّعْبِئَةِ وَوَضَعَ الأَلْوِيَةَ وَالرَّايَاتِ فِي أَهْلِهَا. وَرَكِبَ بَغْلَتَهُ وَلَبِسَ دِرْعَيْنِ وَالْمِغْفَرَ وَالْبَيْضَةَ, فَاسْتَقْبَلَهُمْ مِنْ هَوَازِنَ شَيْءٌ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ مِنَ السَّوَادِ وَالْكَثْرَةِ، وَذَلِكَ فِي غَبَشِ الصُّبْحِ, وَخَرَجَتِ الْكَتَائِبُ مِنْ مَضِيقِ الْوَادِي وَشِعْبِهِ, فحملوا حملة واحدة، فانكشفت خيل بني سليم مولية، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس.