سرية كعب بْن عُمَيْر:
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَعْبَ بْنَ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيَّ، فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى ذَاتِ أَطْلاحٍ مِنَ الشَّامِ1, فَوَجَدُوا جَمْعًا مِنْ جَمْعِهِمْ كَثِيرًا، فَدَعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ، وَرَشَقُوهُمْ بِالنَّبْلِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ قَاتَلُوهُمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ، حَتَّى قُتِلُوا، فَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ جَرِيحٌ فِي القتلى، فلما برد عَلَيْهِ اللَّيْلُ، تَحَامَلَ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَمَّ بِالْبَعْثِ إِلَيْهِمْ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ سَارُوا إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَتَرَكَهُمْ.
غزوة مؤته:
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَارِثَ بْنَ عُمَيْرٍ الأَزْدِيَّ إِلَى مَلِكِ بُصْرَى بِكِتَابِهِ. فَلَمَّا نَزَلَ مُؤْتَةَ عَرَضَ لِلْحَارِثِ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْغَسَّانِيُّ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الشَّامَ. قَالَ: لَعَلَّكَ مِنْ رُسُلِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَلَمْ يُقْتَلْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُولٌ غَيْرُهُ.
وَبَلَغَ رَسُولَ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخبر، فاشتد عَلَيْهِ، وَنَدَبَ النَّاسَ فَأَسْرَعُوا. وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ خُرُوجِهِمْ إِلَى غَزْوَةِ مُؤْتَةَ2.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى بَعَثَ إِلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، وَأَمَّرَ عَلَى النَّاسِ زَيْدَ بْنَ حارثة. وَقَالَ: "إِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ رَجُلا". فَتَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، وَوَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَبَكَى ابْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا بِي حُبٌّ لِلدُّنْيَا، وَلا صَبَابَةٌ إِلَيْهَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] ، فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدْرِ بَعْدَ الْوُرُودِ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ وردكم إلينا صالحين ودفع عنكم.