وَقَالَ وقد أُعْطيته ولبِسْته ... نعم هذه أعطافه ومناكبه

قَالَ: فأجازني سبعة آلاف دينار.

ونقل القاضي شمس الدين بن خلّكان: كَانَ بحلب طاهر بن محمد الهاشميّ، محتشمٌ، خلّف لَهُ أَبُوه نحو مائة ألف دينار، فأنفقها عَلَى الشعراء والزُّوار في سبيل الله، فَقَصَدهُ البُحْتُريّ من العراق، فَلَمَّا وصل إلى حلب، قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ قعد في بيته لديون ركبته، فاغتم البحتري، وبعث بالمدّحة إِلَيْهِ مَعَ غلام. فَلَمَّا وقف عليها طاهرٌ بكى، ودعا بغلامٍ لَهُ فَقَالَ: بعْ داري.

فَقَالَ: أتَبِيعُها وتبقى عَلَى رؤوس النَّاس؟

قال: لا بد من بيعها.

فباعها بثلاثمائة دينار، فبعث إلى البُحْتُريّ بمائة دينار، وهذه الأبيات:

لو يكو الحباء حسب الذي أنـ ... ـت لدينا بِهِ محلّ وأهْلُ

لَحُبِيتَ اللُّجَيْنَ والدُّر واليا ... قوت حبيًا وكان ذلك يقل

والأديب الأريب يسمع بالعذ ... ر إذا قصر الصديق المقل

فلما وصل إلى البُحْتُريّ ردّ الذَّهَب، وكتب إليه:

بأبي أَنْتَ للبرِّ أهلُ ... والمساعي بعدٌ وسَعْيُك قبلُ

والنوال القليل يكثر إن شا ... ء مُرَجيّك والكثير يقلُّ

غير أنّي رددت برَّك إذا كا ... ن ربًا منك والربا لا يحلُّ

وَإِذَا ما جزيتّ شعرًا بشعرٍ ... قُضي الحقٌّ والدّنانيرُ فضلُ

قَالَ: فحل طاهر الصُّرة وزادها خمسين دينارًا، وحلف أَنَّهُ لا يردّها عليه.

فلما وصت إلى البُحْتُريّ أنشأ يَقُولُ:

شكرتك إنَّ الشُّكر للبعد نعمةٌ ... ومَن يَشْكُر المعروفَ فالله زائدُهْ

لكلّ زمانٍ واحدٌ يُقْتَدى بِهِ ... وَهَذَا زمانٌ أَنْتَ لا شكّ واحدُهْ

وَقِيلَ: إن أبا العلاء المَعَرّيّ سُئل: أيُّ الثلاثة أشعر: أَبُو تمّام، أم البُحْتُريّ، أم المتنبيّ؟ فَقَالَ: حكيمان، والشاعر البحتري.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015