وأنا مجهول العين عندكم، فإذا أذنت لي أن آتي كلَّ يوم في زيّ السّوّآل، فأقول عند الباب ما يقوله السائل، فتخرج إِلَى هَذَا الموضع، فلو لم تحدثني كل يوم إلّا بحديث واحدٍ لكان لي فِيهِ كفاية.

فقال لي: نعم على شرط أن لا تظهر فِي الخلق، ولا عند المحدِّثين.

فقلت: لك شرطك.

فكنت آخذ عودًا بيدي، وألف رأسي بخرقةٍ مدنسَّة وآتي بابه، فأصيح: الأجر، رحمكم الله، والسُّؤال هناك كذلك، فيخرج إليَّ ويغلق الباب، ويحدثني بالحديثين، والثلاثة، والأكثر. فالتزمت ذلك حَتَّى مات الممتحن له وولي بعد إليه آباط الإبل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي، ويقصّ على أصحاب الحديث قصتي معه. فكان يناولني الحديث مناولةً، ويقرؤه عليه. واعتللت، فعادني فِي خلقٍ معه.

وذكر الحكاية أطول من هَذَا، نقلها ابنُ بشكوال فِي غير الصلة. وأنا نقلتها من خط أبي الْوَلِيد بْن الحاج شيخنا.

وقَالَ أيضًا: نقلت من خط حفيده عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بن بقيّ: حدَّثني أبي قَالَ: أخبرتني أمي أنها رأت أبي مع رجلٍ طويلٍ جدًا. فسألته عَنْهُ، فقال هو: أرجو أن تكوني امْرَأَة صالحة، ذاك الخضر عليه السلام.

وذكر عَبْد الرَّحْمَن عن جَدّه أشياء، فالله أعلم.

قَالَ: كان جدي قد قسّم أيامه على أعمال البر، فكان إذا صلى الصُّبح قرأ حزبه من القرآن فِي المصحف بسدس القرآن. وكان أيضًا يختم القرآن فِي الصلاة فِي كل يوم وليلة، ويخرج كل ليلة فِي الثلث الأخير إِلَى مسجده، فيختم قرب انصداع الفجر. وكان يصلي بعد حزبه فِي المصحف صلاة طويلة جدًا، ثُمَّ ينقلب إِلَى داره، وقد اجتمع فِي مسجده الطَّلبة، فيجدد الوضوء ويخرج إليهم. فإذا انقضت الدُّول صار صومعة المسجد، فيصلي إِلَى الظهر. ثُمَّ يكون هُوَ المبتدئ بالأذان. ثُمَّ يهبط، ثُمَّ يستمع إِلَى العصر ويصلي ويسمع. وربما خرج فِي بقية النهار، فيقعد بين القبور يبكي ويعتبر، فإذا غربت الشمس أتى مسجده، ثُمَّ يصلى ويرجع إِلَى بيته فيُفْطِر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015