وعن أبي دَاوُد السّجِسْتانيّ، وذكر غلام خليل، قَالَ: ذاك دجال بغداد. عرض عليَّ من حديثه، فنظرت في أربعمائة حديث أسانيدها ومتونها كذبٌ كلها.

قلت: وقد كان لغلام خليل جلالة عظيمة ببغداد. وفيه حدة وتسُّرع. فقدم من واسط فِي أول سنة أربعٍ وستّين.

قَالَ أبو سَعِيد بْن الأعرابيّ: فذكرت له هذه الشناعات، يعني خوض الصُّوفيّة فِي دقائق الأحوال الّتي يذمها أَهْل الأثر.

وقَالَ ابنُ الأعرابي: وذكر له بعض مذاهب البغداديين وقولهم فِي المحبة، ولم يزل يبلغهم عن الشاذ من أَهْل البصرة أنهم يقولون نَحْنُ نحب ربنا وربنا يحبُّنا، وقد أسقط عنا خوفه بغلبة محبته. فكان ينكر هَذَا الخطأ بخطإ مثله، وأغلظ منه، حَتَّى جعل محبة الله بدعة. وقَالَ: إنما المحبة للمخلوقين، والخوف أفضل وأولى بنا. وليس هَذَا كما توهّم، بل المحبة والخوف أصلان من أصول الْإِيمَان لا يخلو المؤمن منهما، وإن كان أحدهما أغلب على بعض النّاس من بعض.

قَالَ: فلم يزل غلام خليل يقص بهم ويذكرهم فِي مجالسه ويحذَّر منهم، ويغري بهم السلطان والعامة، ويقول: كان عندنا بالبصرة قومٌ يقولون بالحلول، وأقوام يقولون بالإباحة، وأقوام يقولون كذا، تعريضًا بهم، وتحريضًا عليهم.

إِلَى أن قَالَ ابنُ الأعرابي: فانتشر فِي أفواه العامة أنّ جماعة من أَهْل بغداد ذكر عَنْهُمُ الزَّندقة1.

وكانت السيدة والدة الموفَّق مائلة إِلَى غلام خليل، وكذلك الدولة والعوام لِما هُوَ عليه من الزُّهد والتَّقشُّف. فأمرت السيدة المحتسب أن يطيع غلام خليل، فطلب القوم، وفرق الأعوان فِي طلبهم وكتب أسماءهم، وكانوا نيفًا وسبعين نفسًا، فاختفى عامتهم، وبعضهم خلصتهم العامة. والقصة فيها طول. وجدر جماعة منهم مدة وقَالَ أَحْمَد بْن كامل: سنة خمسٍ وسبعين تُوُفيّ أبو عبد الله غلام خليل فِي رجب، وحمل فِي تابوت إِلَى البصرة. وغلقت أسواق مدينة السلام، وخرج الرجال والنساء والصبيان لحضور جنازته والصلاة عليه، ودفن بالبصرة، وبنيت عليه قبّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015