وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلُوا على حكم رسول الله -صلى الله عليه وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأُتِيَ به محمولا على حمر وَهُوَ مُضْنًى مِنْ جُرْحِهِ، فَقَالَ لَهُ: "أشِرْ عَلَيَّ فِي هَؤُلاءِ". فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكَ فِيهِمْ بِأَمْرٍ أَنْتَ فَاعِلُهُ. قَالَ: "أَجَلْ، وَلَكِنْ أَشِرْ عَلَيَّ فِيهِمْ". فَقَالَ: لَوْ وُلِّيتُ أَمْرَهُمْ قَتَلْتُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَيْتُ ذَرَارِيَّهُمْ وَقَسَّمْتُ أَمْوَالَهُمْ. فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ أَشَرْتَ فِيهِمْ بِالَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ".

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ التَّمَّارُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ عَامِرَ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا حَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ حَكَمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ الذي حكم به" من فوق سبع سماوات1.

وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أنا يَزِيدُ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: لَمَّا قَضَى سَعْدٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ثُمَّ رَجَعَ انْفَجَرَ جُرْحُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُ فَأَخَذَ رَأْسَهُ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، وَسُجِّيَ بِثَوْبٍ أَبْيَضَ إِذَا مُدَّ عَلَى وَجْهِهِ بَدَتْ رِجْلاهُ، وَكَانَ رَجُلا أَبْيَضَ جَسِيمًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ سَعْدًا قَدْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِكَ وَصَدَّقَ رَسُولَكَ وَقَضى الَّذِي عَلَيْهِ، فَتَقَبَّلْ رُوحَهُ بِخَيْرِ مَا تَقَبَّلْتَ رُوحَ رَجُلٍ". فَلَمَّا سَمِعَ سَعْدٌ كَلامَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: وَأُمُّهُ تَبْكِي وَتَقُولُ:

وَيْلُ أُمِّ سَعْدٍ سَعْدَا ... حَزَامَةً وَجِدَّا

فَقِيلَ لَهَا: أَتَقُولِينَ الشِّعْرَ عَلَى سَعْدٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعُوهَا فَغَيْرُهَا مِنَ الشُّعَرَاءِ أَكْذَبُ".

وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ محمود بن لبيد قَالَ: لما أُصيب أَكْحَلُ سعدٍ حولوه عند امرأةٍ يقال لَهَا رُفَيْده، وكانت تداوي الجَرْحَى، قَالَ: وكان النّبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا مرّ به يَقْولُ: "كيف أصبحت"؟ وإذا أمسى قَالَ: "كيف أمسيتَ"؟ فتخبره، فذكر القصّة. وقال: فأسرع النّبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المشي إلى سعد، فشكا ذَلِكَ إليه أصحَابه، فقال: "إنّي أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015