واجتمع قوّاد الخبيث صاحب الزَّنج سُلَيْمَان بْن مُوسَى الشّعْرانيّ، وعليّ بْن أبان، وسليمان بْن جامع، وحشدوا وأقبلوا، فالتقاهم أبو الْعَبَّاس، فهزمهم وفرَّقهم، ثُمَّ واقَعَهم بعد ذلك، فهزمهم أيضًا ومزَّقهم. ثُمَّ دامت مُصابَرَة القتال بينهم شهرين، ثُمَّ قذف الله الرُّعب فِي قلوب الزَّنج من أبي الْعَبَّاس وهابوه.

وتحصّن سُلَيْمَان بْن جامع بمكان، وتحصّن الشّعْرانيّ بمكانٍ آخر. فسار أبو الْعَبَّاس وحاصر الشّعْرانيّ، وجَرَت بينهم حروب صعْبة، إِلَى أن انهزمت الزَّنج، ورجع أبو الْعَبَّاس بجيوشه سالمًا غانمًا. وكان أكثر قتالهم فِي المراكب والسّماريّات، وغرق من الزَّنج خلْق سوى من قُتِلَ وأُسِر.

ثُمَّ سار الموفَّق من بغداد في جيوشه فِي السُّفن والسّماريّات فِي هيئةٍ لم يُرَ مثلها إِلَى واسط. فتلّقاه ولده أبو الْعَبَّاس، ثُمَّ سارا إِلَى قتال الزَّنج ليستأصلوهم، فواقعهم، فانهزم الزَّنج واستُنْقِذ منهم من المسلمات نحو خمسة آلاف امْرَأَة، وهُدِمت مدينة الشَّعْرانيّ فهرب فِي نفرٍ يسير مسلوبًا من الأهل والمال، وَوَصَلَ إِلَى المذار، فكتب إِلَى الخبيث سلطان الزَّنج بما جرى، فتردَّد الخبيث إِلَى الخلاء مرارًا فِي ساعة، ورجف قوّاده وتقطّعت كبدُه، وأيقن بالهلاك.

ثُمَّ إنّ الموفَّق سَأَلَ عن أصحاب الخبيث، فَقِيلَ له: مُعْظَمهُم مع سُلَيْمَان بْن جامع فِي بلد طَهِيثا، فسار الموفَّق إليها، وزحف عليها بجنوده، فالتقاه سُلَيْمَان بْن جامع وأحمد بْن مهديّ الْجُبائيّ فِي جموع الزَّنج، ورتّب الكُمَنَاء واستحرَّ القتال، فرمى أبو الْعَبَّاس بْن الموفق لأحمد بْن مهديّ بسهمٍ فِي وجهه هلك منه بعد أيامٍ. وكان أبو الْعَبَّاس راميًا مذكورًا.

ثُمَّ أصبح الموفَّق على القتال، وصلّى وابتهل إِلَى الله بالدّعاء، وزحف على البَلْدَة، وكان عليه خمسة أسوار، فَمَا كَانَتْ إلّا ساعة وانهزمت الزَّنج، وعمل فيهم السّيف وغرق أكثرهم. وهرب سُلَيْمَان بْن جامع.

واستنقذ الموفَّق من طَهِيثا نحو عشرة آلاف أسير فسيرهم إِلَى واسط، وأخذ من المدينة تُحَفًا وأموالًا، بحيث استغنى عسكره، وأقام بها الموفَّق أيّامًا ثُمَّ هدَمها.

مسير الموفَّق إِلَى الأهواز:

وكان المهلَّبيّ مقيمًا بالأهواز فِي ثلاثين ألف من الزَّنج، فسار إليها الموفَّق، فانهزم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015