حدثني محمد بْن يوسف الْبُخَارِيّ قَالَ: كنتُ عند محمد بْن إِسْمَاعِيل بمنزله ذات ليلة، فأحصيت عَلَيْهِ أنّه قام وأسرجَ يستذكر أشياء يُعلّقها فِي لَيْلَةٍ ثمان عشرة مرّة1.
وقال محمد بْن أَبِي حاتم الورّاق: كَانَ أبو عبد الله إذا كنتُ معه فِي سفر يجمعنا بيتٌ واحدٌ إلَا فِي القَيْظ أحيانًا. فكنت أراه يقوم فِي لَيْلَةٍ واحدةٍ خمس عشرة مرّة إلى عشرين مرّة، فِي كلّ ذَلِكَ يأخذ القُدّاحة فيُوري نارًا ويُسرج، ثمّ يُخرج أحاديث فيُعلِّم عليها، ثمّ يضع رأسه. وكان يُصلّي وقت السَّحَر ثلَاث عشرة ركعة. وكان لَا يوقظني فِي كلّ ما يقوم، فقلتُ لَهُ: إنّك تحمل عَلى نفسك فِي كلّ هذا ولا تُوقظني! قَالَ: أنتَ شابّ ولا أحب أن أفسد عليك نومك.
وقال الفربري: قال لي محمد بن إسماعيل، ما وضعتُ فِي" الصّحيح: حديثًا إلَا اغتسلت قبل ذَلِكَ وصلّيْت رَكْعَتين. يعني ما جلست لأضع فِي تصنيفه شيئًا إلَا وفعلت ذَلِكَ، لَا إنّه يفعل ذلك لكّل حديث2.
وقال إِبْرَاهِيم بْن مَعْقِلٍ: سمعته يَقُولُ: كنتُ عند إِسْحَاق بن" راهويه"، فقال الرجل: لو جمعتم كتابًا مختصرًا للسُّنن.
فوقَعَ ذَلِكَ فِي قلبي، فأخذت فِي جمع هذا الكتاب.
وعَنِ الْبُخَارِيّ قَالَ: أخرجتُ هذا الكتاب من نحو ستّمائة ألف حديث، وصنَّفته ستٍّ عشرة سنة. وجعلته حُجّةً فيما بيني وبين اللَّه. رُوِيَتْ من وجهين ثابتين، عَنْهُ.
وقال إِبْرَاهِيم بْن مَعْقِلٍ: سمعته يَقُولُ: ما أدخلت فِي "الجامع" إلَا ما صحّ، وتركت مِنَ الصّحاح لأجل الطُّولِ, وقال محمد بْن أَبِي حاتم: قلت لأبي عَبْد اللَّه: تحفظ جميع ما فِي المصنَّف؟ قَالَ: لَا يُخفي علي جميع ما فيه، ولو نشر بعض أساتذي هؤلَاء لم يفهموا كتاب التّاريخ ولا عرفوه.
ثم قال: صنفته ثلاث مرات.
وقد أخذه ابن راهَوَيْه فادخله عَلَى عَبْد اللَّه بْن طاهر فقال: أيُّها الأمير ألَا أريك سِحْرًا. فنظرّ فِيهِ عَبْد اللَّه، فتعجَّب منه وقال: لست أفهم تصنيفه3.