ثُمَّ قال لي: قد أمرني أمير المؤمنين أن يُجْرى عليك وعلى قراباتك أربعة آلاف درهم، ففرقها عليهم.

ثم دعا يحيى من الغد فقال: يا أَبَا عبد الله تركب؟ فقال: ذاك إليكم.

ولبس إزاره وخُفّه. وكان خفه له عنده نحو من خمسة عشر عامًا، قد رُقّع برقاع عدّة. فأشار يحيى أن يلبس قَلَنْسُوَة.

قلت: ما له قَلَنْسُوَة.

إلى أن قال: فدخل دار المعتزّ، وكان قاعدًا على دُكّان فِي الدّار، فلمّا صعِد الدُّكّان قعد فقال له يحيى: يا أَبَا عبد الله إنّ أمير المؤمنين جاء بك ليُسرّ بقربك، ويُصيّر أَبَا عبد الله ابنه فِي حُجْرك. فأخبرني بعضُ الخدم أنّ المتوكّل كان قاعدًا وراء سترٍ. فلمّا دخل أبي الدّار قال لأمه: يا أمَه نارت الدّار.

ثُمَّ جاء خادم بمنديل، فأخذ يحيى المنديل، وذكر قصّةً فِي إلباسه القميص والطَّيْلسان والقَلَنْسُوَة وهو لا يحرّك يده. ثُمَّ انصرف1. وكانوا قد تحدّثوا أنّه يخلع عليه سوادًا. فلمّا صار إلى الدّار نزع الثّياب، ثُمَّ جعل يبكي وقال: سلمت من هؤلاء منذ ستّين سنة، حَتَّى إذا كان فِي آخر عمري بُليتُ بهم. ما أحسبني سلمتُ من دخولي على هذا الغلام، فكيف بمن يجب عليَّ نُصْحه من وقت تقع عيني عليه، إلى أن أخرج من عنده. يا صالح وجّه بهذه الثّياب إلى بغداد تباع ويُتصدَّق بثمنها، ولا يشتري أحد منكم منها شيئًا.

فوجَهتُ بها إلى يعقوب بْن بُخْتان2، فباعها وصرف ثمنها، وبقيت عندي القَلَنْسُوة. قال: ومكث خمسة عشر يوما يفطر في ثلاثةٍ على تمر سَويق، ثُمَّ جعل بعد ذلك يُفطر ليلةً على رغيف، وليلة لا يُفْطر. وكان إذا جيء بالمائدة توضع بالدِّهْليز لئلا يراها، فيأكل مَن حَضَر. فكان إذا أجهده الحَرُّ بَلَّ خرقةً فيضعها على صدره. وفي كلّ يوم يوجّه إليه بابن ماسَوَيْه فينظر إليه ويقول: يا أَبَا عبد الله أَنَا أميل إليك وإلى أصحابك، وما بك علة إلا الضعف وقلة الزاد3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015