صاحب خبر إسحاق يأتينا كل يوم يتعرّف خبره حتّى صحّ، وبقَيتْ إبهاماه متخلعَتين تضربان عليه في البرد حتّى يُسَخّن له الماء.
ولمّا أردنا علاجه خِفنا أن يدسّ ابن دُؤاد سُمًّا إلى المعالج، فعملنا الدّواء والمراهم في منزلنا. وسمعته يقول: كلّ من ذكرني في حِلّ إلا مبتدع.
وقد جعلت أبا إسحاق، يعني المعتصم، في حِلّ. ورأيت الله تعالى يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بكر بالعفو في قصّة مِسْطح1.
قال أبو عبد الله: العفو أفضل، وما ينفعك أن يعذب أخوك المسلم في سبيلك2.
فصل في محنته من الواثق:
قال حنبل: ولم يزل أبو عبد الله بعد أن برئ من مرضه يحضر الجمعة والجماعة ويفتي ويحدِّث حتّى مات المعتصم، وولى ابنه الواثق، فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى ابن أبي دؤاد وأصحابه. فلما اشتد الأمر على أهل بغداد، وأظهرت القُضاة المحنة، وفُرّق بين فضل الأنماطيّ وامرأته، وبين أبي صالح وامرأته، كان أبو عبد الله يشهد الجمعة ويعيد الصّلاة إذا رجع ويقول: الجمعة تؤتي لفضلها، والصّلاة تُعاد خلف من قال بهذه المقالة3.
وجاء نفر إلى أبي عبد الله وقالوا: هذا الأمر قد فشا وتفاقم، ونحن نخافه على أكثر من هذا. وذكروا أنّ ابن أبي دُؤاد أراد أن يأمر المعلّمين بتعليم الصّبيان في الكُتّاب مع القرآن كذا وكذا. فنحن لا نرضى بإمارته.
فمنعهم من ذلك وناظَرَهم. وحكى حنبل قصْده في مناظرتهم وأمرهم بالصَّبْر.
فبينا نحن في أيّام الواثق إذ جاء يعقوب ليلا برسالة إسحاق بن إبراهيم إلى أبي