قال ابن أبي دُؤاد: لا يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإنّه إن قُتِل أو مات في دارك قال النّاس: صبر حتّى قتل، واتّخذوه إمامًا، وثبتوا على ما هم عليه. ولكن أطِلْقه لساعة، فإنْ مات خارجًا من منزلك شك الناس بأمره1.
قال ابن أبي حاتم: وسمعت أبا زُرْعة يقول: دعي المعتصم بعمّ أحمد بن حنبل ثم قال للنّاس: تعرفونه؟ قالوا: نعم، وهو أحمد بن حنبل.
قال: فانظروا إليه أليس هو صحيح البدن؟ قالوا: نعم.
ولولا أنّه فعل ذلك لكنتُ أخاف أن يقع شيء لا يُقام له.
قال: فلمّا قال: قد سلّمته إليكم صحيح البَدَن. هَدأ النّاس وسكنوا.
قال صالح: صار أبي إلى المنزل ووجّه إليه من السِّحَر من يُبْصر الضَّرْب والجراحات ويعالج منها. فنظر إليه وقال: أنا والله لقد رأيت مَن ضُرِب ألف سوط، ما رأيت ضربًا أشدّ من هذا. لقد جرّ عليه من خلفه ومن قُدّامه.
ثُمَّ أدخل ميلا في بعض تلك الجراحات وقال: لم ينضب. فجعل يأتيه ويعالجه، وكان قد أصاب وجهه غير ضربة؛ ثم مكث يعالجه ما شاء الله. ثم قال: إنّ ههنا شيئًا أريد أن أقطعه. فجاء بحديدة، فجعل يعلق اللّحم بها ويقطعه بسكّين، وهو صابر بحمد الله، فبرئ. ولم يزل يتوجّع من مواضع منه.
وكان أثر الضرب بيّنا في ظهره إلى أن تُوُفّي.
وسمعت أبي يقول: والله لقد أعطيتُ المجهود من نفسي، وودِدْتُ أنّي أنجو مِنْ هَذَا الأَمْرِ كَفَافًا لا عَلَيَّ وَلا لي.
ودخلت على أبي يومًا فقلت له: بَلَغَني أنّ رجلا جاء إلى فضل الأنْماطيّ فقال له: اجعلني في جل إذ لم أقم بنُصْرتك.
فقال فضل: لا جعلت أحدًا في حِلّ.
فتبسّم أبي وسكت. فلمّا كان بعد أيّام قال: مررت بهذه الآية: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] فنظرت في تفسيرها، فإذا هو ما حَدَّثَنِي أبو