ثمّ قال: يا أحمد، والله إنّي عليك لشَفيق، وإنّي لأشفق عليك كشفقتي على هارون ابني. ما تقول؟ فأقول: أعطُوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسوله. فلمّا طال المجلس ضجر وقال: قوموا. وحبسني، يعني عنده، وعبد الرَّحْمَن بْن إسحاق يكلّمني.

فقال المعتصم: ويْحك أجِبْني. وقال: ما أعرفك، ألم تكن تأتينا؟ فقال له عبد الرَّحْمَن بْن إسحاق: يا أمير المؤمنين أعرفه منذ ثلاثين سنة يرى طاعتك والجهاد والحجّ معك.

قال: فيقول: والله إنّه لعالم، وإنّه لَفَقيه، وما يسوءني أن يكون معي يردّ عنّى أهل المِلَل.

ثُمَّ قال لي: ما كنت تعرف صالحًا الرّشيديّ؟ قلت: قد سمعت باسمه.

قال: كان مؤدبي، وكان فِي ذلك الموضع جالسًا، وأشار إلى ناحيةٍ من الدّار، فسألته عن القرآن فخالفني، فأمرت به فوطئ وسُحب.

ثُمَّ قال: يا أحمد أجِبْني إلى شيءٍ لك فِيه أدني مخرج حتّى أطلق عنك بيدي.

قلت: أعطُوني شيئًا من كتاب اللَّه وسنة رسوله.

فطال المجلس وقام، ورُددت إلى الموضع الَّذِي كنتُ فِيهِ، فلمّا كان بعد المغرب وجّه1 إليّ رجلين من أصحاب ابن أبي دؤاد يبيتان عندي ويناظراني ويقيمان معي، حَتَّى إذا كان وقت الإفطار جيء بالطعام، ويجتهدان بي أن أُفِطر، فلا أفعل2.

ووجّه إليَّ المعتصم ابن أبي دؤاد فِي بعض اللّيالي فقال: يقول لك أمير المؤمنين: ما تقول؟ فأردّ عليه نحوًا مما كنت أرد.

فقال ابن أبي دؤاد: والله لقد كتبت اسَمك فِي السَّبْعة، يحيى بْن مَعِين، وغيره، فمحوته. ولقد ساءني أخْذُهم إيّاك. ثُمَّ يقول: إنّ أمير المؤمنين قد حلف أن يضربك ضربًا بعد ضرب، وأن يُلْقيك فِي موضعٍ لا ترى فِيهِ الشّمس، ويقول: إن أجابني جئت إليه حَتَّى أطلق عنه بيدي3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015