وقال لي: لا تجالِسْهم، ولا تكلّم أحدًا منهم.

ثم قال: أدركنا الناس وما يعرفون هذا، ويجانبون أهلَ الكلام.

وسمعته يقول: ما رأيتُ أحدًا طلب الكلام واشتهاه فأفلح لأنه يخرجه إلى أمر عظيم. لقد تكلّموا يومئذٍ بكلام، واحْتَجّوا بشيءٍ ما يَقْوَى قلبي ولا ينطلق لساني أنْ أحكيه.

قال الخلال: أخبرني محمد بن أبي هارون، ثنا أبو الحارث: سمعت أبا عبد الله يقول: قال أيّوب: إذا تمرّق أحدكم لم يَعد.

وقال الخلال: أنا أحمد بن أصرم المُزَنيّ قال: حضرتُ أحمد بن حنبل قال له العبّاس الهَمْدانيّ: إنّي رُبّما رَدَدْت عليهم.

قال أحمد: لا ينبغي الجدال.

ودخل أحمد المسجد وصلّى، فلمّا انفتل قال: أنت عبّاس؟ قال: نعم.

قال: اتقِ الله، ولا ينبغي أن تَنْصب نفسك، وتشتهر بالكلام ولا بوضْع الكُتُب. لو كان هذا خيرًا لتقدَّمنا فيه الصّحابة. لم أرَ شيئًا من هذه في الكُتُب، وهذه كلّها بدعة.

قال: مقبولٌ منك يا أبا عبد الله، استغفر الله وأتوبُ إليه، إنّي لست أطلبهم، ولا أدُقُّ أبوابهم؛ لكنْ أسمعهم يتكلّمون بالكلام، وليس أحدٌ يردّ عليهم فأَغْتَمّ، ولا أصبر حتّى أرُدّ عليهم.

قال: إن جاءك مسترشدٌ فأرشِدْه. قالها مِرارًا.

قال الخلال: أنا محمد بن هارون، ومحمد بن جعفر، أنّ أبا الحارث حدَّثهم قال: سألت أبا عبد الله قلت: إنّ ههُنا مَن يُناظر الْجَهْميَّة يبين خطأهم، ويُدقّق عليهم المسائل، فما ترى؟ قال: لستُ أرى الكلام في شيء من هذه الأهواء، ولا أرى لأحد أن يُنَاظرهم. أليس قال معاوية بن قُرَّةَ: الخصومات تحبط الأعمال. والكلام رديء لا يدعو إلى خير. تجنَّبوا أهل الجدال والكلام، وعليك بالسُّنَن، وما كان عليه أهل العلم قبلكم، فإنّهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل البِدَع. وإنّما السّلامة في تَرْك هذا. لم نؤمر بالجدال والخصومات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015