يا ذا الَّذِي بعذابي ظلّ مفتخرًا ... ما أنت إلا مليك جار إذ قدر قَدَرا

لولا الهَوَى لَتَجاريْنَا عَلَى قَدَرٍ ... وإنْ أُفِقْ منه يومًا ما فسوف ترى

قَالَ الخطيب: كَانَ أَحْمَد بْن أَبِي دُؤاد قد استولى عَلَى الواثق وحمله عَلَى التشدُّد فِي المحنة. ودعا النّاس إلى القول بِخلْق القرآن. ويُقال: إنّ الواثق رجع عَنْ ذَلِكَ القول قبل موته. وقال عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى: حدثنا إِبْرَاهِيم بْن أسباط بْن السَّكَن قَالَ: حُمِلَ رجلٌ فيمَن حُمِلَ، مُكَبَّلٌ بالحديد من بلاده، فأُدْخِلَ. فقال ابن أَبِي دُؤاد: تقولُ أَوْ أقول؟ قَالَ: هذا أوّل جوركم. أخرجتم النّاس من بلادهم، ودعوتموهم إلى شيء. لا بل أقول. قَالَ: قُلْ. والواثق جالس. فقال: أخبرني عَنْ هذا الرأي الَّذِي دَعْوتُم النّاس إِلَيْهِ، أَعَلِمَهُ رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فلم يدعُ النَّاس إِلَيْهِ، أم شيء لم يعلمه؟ قال: علمه. قال: فكان يسمعه أن لا يدعو النّاس إِلَيْهِ، وأنتم لا يسعكم، قَالَ: فبُهِتُوا. قَالَ: فاستضحك الواثق، وقام قابضًا عَلَى فمه، ودخل بيتًا ومدَّ رِجْليه وهو يَقُولُ: وَسِعَ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلم- أن يسكت عنا ولا يسعنا. فأمر أن يعطى ثلاثمائة دينار، وأن يُردّ إلى بلده. وعن طاهر بْن خَلَف: سمعتُ المهتدي بالله بْن الواثق يَقُولُ: كَانَ أَبِي إذا أراد أن يقتل رجلًا أَحْضَرَنا. فأُتِيَ بشيخ مخضوب مقيَّد، وقال أَبِي: ائذنوا لابن أَبِي دُؤاد وأصحابه. وأُدْخِلَ لشيخ فقال: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: لا سلم الله عليك. قال: بئس ما أدَّبك مؤدِّبُك.

قَالَ اللَّه تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] قلت: هذه حكاية مُنْكرَة، ورُواتُها مَجاهيل، لكن نسوقها. قَالَ: فقال ابن أَبِي دُؤاد: يا أمير المؤمنين الرجل متكلِّم. فقال لَهُ: كلِّمْهُ.

فقال: يا شيخ ما تقولُ فِي القرآن؟ قَالَ: لِمَ تنصفني، ولي السؤال. قَالَ: سَلْ يا شيخ. قَالَ: ما تقولُ فِي القرآن؟ قَالَ: مخلوق. قَالَ: هذا شيء عَلِمَهُ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بَكْر وعمر والخلفاء، أم شيء لَم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه. فقال: سبحان الله، شيء لَم يعلموهُ أَعَلِمْتَه أنت؟ قَالَ: فَخَجِل وقال أقِلْنِي. قَالَ: والمسألةُ بِحالِها؟ قَالَ: نعم. قَالَ: ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق، قال: شيء علمه رسول الله؟ قلت: عَلِمَه. قَالَ: عَلِمَهُ ولَم يدْعُ النّاس إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أفلا وسِعَك ما وسِعَه ووسِع الخلفاء بعده. فقام أَبِي الواثق فدخل الخلْوة، واستلقى وهو يَقُولُ: شيء لَم يعلمه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أَبُو بَكْرٍ، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، علمته أنت؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015