وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ، وَقَالَ: "لَا يُقَاتِلَنَّ أَحَدٌ حتى نأمره بِالْقِتَالِ". وَتَعَبَّأَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةٍ، وَأَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا، فَقَالَ: "انْضَحُوا عَنَّا الْخَيْلَ بِالنَّبْلِ، لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، إِنْ كَانَتْ لَنَا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتين مَنْ قِبَلِكَ". وَظَاهِرْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ. وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَّبُوهَا فَجَعَلُوا عَلَى الْمَيْمَنَةِ خَالِدًا، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ.
وَقَالَ سلام بن مسكين، عن قتادة، عن سعيد بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ مِرْطًا أَسْوَدَ1 كَانَ لِعَائِشَةَ، وَرَايَةُ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا الْعُقَابُ، وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ عَلِيٌّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو السَّاعِدِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ كَانَ عَلَى الرِّجَالِ، وَيُقَالُ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَكَانَ حَمْزَةُ عَلَى الْقَلْبِ، وَاللِّوَاءُ مَعَ مُصْعَبٍ، فَقُتِلَ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا: قَالَ: وَيُقَالُ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَلْوِيَةٍ، لِوَاءً إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِلْمُهَاجِرِينَ، وَلِوَاءً إِلَى عَلِيٍّ، وَلِوَاءً إِلَى الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ؟ فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا. فَقَالَ مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو دجانة سماك: أنا آخذه بحقه. قال: فأخذه ففلق به هام الْمُشْرِكِينَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ2.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَتَّى قَامَ إِلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالَ: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: أَنْ تَضْرِبَ بِهِ فِي الْعَدُوِّ حَتَّى يَنْحَنِي. قَالَ: فَأَنَا آخِذُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ، وَكَانَ إِذَا قَاتَلَ عَلَّمَ بِعِصَابَةٍ لَهُ حَمْرَاءَ فَاعْتَصَبَ بِهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال حين رَآهُ يَتَبَخْتَرُ: "إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ" 3.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عاصم الكلابي: حدثني عبيد الله بن الوزاع، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ: عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ