ورُبّي بابَك أجيرًا في قريته. وكان بتلك الجبال قومٌ من الخُرَّميّة ولهم مُقَدَّمان: جاوِنْدان وعِمران. فتفرَّس جاوِنْدان في بابَك الشجاعة، فأستأجره من أُمّهِ، فأحبّته امرأة جاوِندان، وأطلعتْه على أمور زوجها، ثمّ قُتِل جاوِنْدان في وقعة بينه وبين ابن عمٍّ لهُ، فزعمت امرأته أنّه استخلف بابَك، فصدّقها الْجُنْد وانقادوا له، فأمرهم أن يقتلوا بالّليل مَن وجدوا من رجلٍ أو صبيّ. فأصبح خلقٌ مُقَتَّلين. ثمّ انضم إليه طائفة من قُطّاع الطريق، وطائفة مِن الفلّاحين والشُّطّار1. ثمّ استفحل أمره، وعظُم شرُّه، وصار معه عشرون ألف مقاتل. وأظهر مذهب الباطنيّة، واستولى على حصون ومدائن، وقتل وسبى إلى أن أظفر الله به. فأركبه المعتصم فيلًا، وألبسه قِباءً من ديباج، وقَلَنْسُوَة سَمُّور مثل الشَّرْبُوش، وخَضَبوا الفِيل بالحِنّاء، وطافوا به2.
"قطع أطراف بابَك وقتله":
ثمّ أمَر المعتصم بأربعته فقُطِّعَت، ثمّ قُطع رأسه وطِيف به بسامرّاء. وبعث بأخيه إلى بغداد، ففُعِل به نحو ذلك، واسمه عبد الله. ويُقال إنّه كان أشجع من بابَك. فيقال إنّه قال لأخيه بابَك قُدّام الخليفة: يا بابَك قد عملتَ ما لم يعملْه أحد، فأصبِرْ صبرًا لم يصبرْه أحد.
فقال: سوف ترى صبري.
فلمّا قُطِعت يدُه مسح بالدَّم وجهه، فقالوا: لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: قولوا للخليفة إنّك أمرتَ بقطع أربعتي وفي نفسك أنّك لا تكويهما وتدع دمي ينزف، فخشيت إذا خرج الدّم أن يصفرّ وجهي، فترون أنّ ذلك من جَزَع الموت. فعطيت وجهي بالدم لهذا.
فقال المعتصم: لولا أنّ أفعاله لا تُوجِب الصَّنيعة والعَفْوَ لكان حقيقًا بالاستبقاء.
ثمّ ضُرِبت عُنُقه، وأُحْرِقت جُثّته، وفُعِل ذلك بأخيه، فما منهما مَن صاح.
ويقال إنّ بابَك قتل مائةً وخمسين ألفًا، وما ذلك ببعيد.