وكان الأفشين قد أقام الكُمَناء في المضائق، فأفلت بابَك منهم، وصار إلى جبال أرمينية، فالتقاه رجل يقال له سهْل البِطْريق، فقال له: الطّلبُ وراءَك فانزِلْ عندي. فنزل عنده. وبعث سهل إلى الأفشين يخبره. فجاء أصحاب الأفشين فأحاطوا به وأخذوه1.
وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حيًّا ألفيْ ألف درهم، ولمن جاء برأسه ألف ألف درهم، فأعطى سهل ألفي ألف، وحطّ عنه خَراج عشرين سنة، ثمّ قتل بابك سنة ثلاث وعشرين.
"رواية السمعودي عن هرب بابك":
قال السمعودي: هربَ بابَك متنكّرًا2 بأخيه وأهله وولده ومَنْ تَبِعَهُ من خاصّته، وتزيّوا3 بزيّ التُّجّار السَّفّارة، فنزل بأرض أرمينية بعمل سهل بن سِنْبَاط، فابتاعوا4 شاةً من راعٍ فنكِرَهم وذهب إلى سهلٍ فأخبره. فقال: هذا بابَك ولا شكّ.
وكانت قد جاءته كُتُب الأفشين بأن لا يَفُوته بابَك إن مرّ به. فركب سَهْل في أجناده حَتّى أتى بابَك، فترجّل5 لبابَك وسلّم عليه بالمُلْك وقال: قمْ إلى قصرك وأنا معك. فسارَ معه، وقُدِّمت الموائد، فقعد سَهْل يأكل معه، فقال بابَك بعُتوٍّ وجهلٍ: أمِثْلُكَ يأكل معي؛ فقام سهل واعتذر وغاب، وجاء بحدّاد ليقيّده، فقال بابك: أعذرًا يا سهل؟ فقال: يا ابن الخبيثة إنّما أنت راعي بقر.
وقيّد من كان مَعه، وكتب إلى الأفشين، فجهّز إليه أربعة آلاف فتسلّموه، وجاؤوا ومعهم سهل، فخلع عليه الأفشين وتوّجه، وأسقط عنه الخراج، وبُعثت بطاقة إلى المعتصم بالفتح، فانقليت بغداد بالتكبير والضجيج، فلله الحمد رب العالمين.