وَحَدَّثَنِي عَاصِمٌ، قَالَ: فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ, فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ. فَأَعْرَضَ عَنْه. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْسِلْنِي". وَغَضِبَ؛ "أَرْسِلْنِي، وَيْحَكَ". قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُرْسِلُكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي مَوَالِيَّ: أَرْبَعُمِائَةُ حَاسِرٍ، وَثَلَاثُمِائَةُ دَارِعٍ؛ قَدْ مَنَعُونِي مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ، تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ.
إِنِّي وَاللَّهِ امْرؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُمْ لَكَ"1.
وَحَدَّثَنِي أَبِي؛ إِسْحَاقَ, عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمُ ابْنُ سَلُولٍ وَقَامَ دُونَهُمْ.
قَالَ: وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفٍ؛ لَهُمْ مِنْ حِلْفِهِ مِثْلُ الَّذِي لِابْنِ سلول، فخلعهم إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ حِلْفِهِمْ، وَقَالَ: أَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَنَزَلَتْ فِيهِ وَفِي ابن سلول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 51-55] ؛ لَتَولَّى عُبَادَةُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ2.
وَذَكَرَ الواقدي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حَاصَرَهُمْ خَمْسَ عَشَرَةَ لَيْلَةً، إِلَى هِلَالِ ذِي الْقِعْدَةِ.
وَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ غَدَر مِنَ الْيَهُودِ. وَحَارَبُوا حَتَّى قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَمْوَالَهُمْ, فَأَمَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكُتِّفُوا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى كِتَافِهِمُ الْمُنْذِرَ بْنَ قُدَامَةَ السَّلَمِيَّ؛ مِنْ بَنِي السَّلَمِ. فَكَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: "خُذْهُمْ". وَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُجْلَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَوَلِيَ إِخْرَاجَهُمْ مِنْهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ.
فَلَحِقُوا بِأَذرِعَاتَ3، فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ بَقَائِهِمْ فِيهَا. وَتَوَلَّى قَبْضَ أَمْوَالَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ, ثُمَّ خُمِسَتْ، وَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سِلَاحِهِمْ ثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ، ودرعين، وغير ذلك.