غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى:

مِنَ السِّيرَةِ لِابْنِ إِسْحَاقَ، رِوَايَةُ الْبَكَّائِيِّ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ قَدْ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فِي عِيرٍ وَتِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فِيهَا ثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ؛ مِنْهُمْ: مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللَّهَ يُنْفِلُكُمُوهَا". فَانْتَدَبَ النَّاسَ، فَخَفَّ بَعْضُهُمْ، وَثَقُلَ بَعْضٌ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَلْقَى حَرْبًا1. وَاسْتَشْعَرَ أَبُو سُفْيَانَ فَجَهَّزَ مُنْذِرًا إِلَى قُرَيْشٍ يَسْتَنْفِرُهُمْ إِلَى أَمْوَالِهِمْ. فَأَسْرَعُوا الْخُرُوجَ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِهِمْ أَحَدٌ، إِلَّا أَنَّ أَبَا لَهَبٍ قَدْ بَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ أَخَا أَبِي جَهْلٍ. وَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَكَانَ أُمَّيَةُ بْنُ خَلَفٍ شَيْخًا جَسِيمًا فَأَجْمَعَ الْقُعُودَ. فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ -وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ- بِمِجْمَرَةٍ وَبُخُورٍ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: أَبَا عَلِيٍّ، اسْتَجْمِرْ! فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنَ النِّسَاءَ. قَالَ: قَبَّحَكَ اللَّهُ. فَتَجَهَّزَ وَخَرَجَ مَعَهُمْ.

وَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ثَامِنِ رَمَضَانَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَمْرَو بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الصَّلَاةِ. ثُمَّ رَدَّ أَبَا لُبَابَةَ مِنَ الرَّوْحَاءِ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ. وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ. وَكَانَ أَمَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَايَتَانِ سودوان؛ إِحْدَاهُمَا مَعَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْأُخْرَى مَعَ رَجُلٍ أَنْصَارِيٍّ. وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنُ مُعَاذٍ.

فَكَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ بَعِيرًا يَعْتَقِبُونَهَا، وَكَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثُمَائَةَ وَتِسْعَةَ عَشْرَ رَجُلًا. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيٌّ، وَمَرْثدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا2. فَلَمَّا قَرُبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الصَّفْرَاءِ بَعَثَ اثْنَيْنِ يَتَجَسَّسَانِ أَمْرَ أَبِي سُفْيَانَ. وَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِخُرُوجِ نَفِيرِ قُرَيْشٍ، فَاسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالُوا خَيْرًا. وَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللَّهِ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لموسى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ3 لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ حَتَّى تَبْلُغَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ.

وَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! والله لَوِ استعرضت بنا هذا البحر لخضناه مَعَكَ. فَسَرَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلُهُ، وَقَالَ: "سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ رَبِّي قد وعدني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015