وقد وعظه الفُضَيْل بْن عياض حتى جعل يشهق بالبكاء. وكان هُوَ أتى بنفسه إلى بيت الفُضَيْل.
ومن محاسنه أنّه لمّا بلغه موتُ ابن المبارك جلس للعزاء، وأمر الأعيان أن يُعَزُّوه في ابن المبارك.
قَالَ نِفْطَوَيْه في تاريخه: حكى بعض أصحاب الرّشيد أنّ الرشيد كَانَ يصلّي في اليوم مائة ركعة، لم يتركها إلا لِعلّة. وكان يقتفي آثار جدّه أَبِي جعفر، إلا في الحرْص وَالْبُخْلِ.
قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ: مَا ذَكَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ يَدَيِ الرَّشِيدِ إِلا قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِي. وَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَى ثُمَّ أُقْتَلُ، فَبَكَى حَتَّى انْتَحَبَ1.
وعن خُرَّزاذ القائد قَالَ: كنت عند الرشيد، فدخل أبو معاوية الضّرير، وعنده رَجُل مِن وجوه قريش، فذكر أبو معاوية حديث: "احتجّ آدمُ وموسى" 2، فقال الْقُرَشِيّ: فأين لِقيه؟ فغضب الرشيد وقال: النَّطْع والسيّف، زنديق يطعن في حديث النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فما زال أبو معاوية يُسَكَّنه ويقول: يا أمير المؤمنين كانت منه بادرة، حتّى سكن3.
وعن أَبِي معاوية قَالَ: أكلت مَعَ الرشيد يومًا، ثمّ صَبَّ عَلَى يديّ رجلٌ لا أعرفه. ثمّ قَالَ الرشيد: تدري مِن يصبّ عليك؟ قلت: لا!.
قَالَ: أَنَا، إجلالا للعِلم.
وقال منصور بْن عمّار: ما رَأَيْت أغزر دمعًا عَنِ الذّكِر مِن ثلاثة: الفُضَيْل بْن عِياض، والرشيد، وآخر.
وقال عُبَيْد الله القَواريريّ: لمّا لقي الرشيد فضيلا قَالَ لَهُ: يا حَسَن الوجه، أنت المسؤول عن هذه الأمة.