قال زافر: فجعل الْفُضَيْلُ ينظر إلي، ثمّ قال: يا أبا سُليمان هؤلاء المُحَدِّثين يُعجبهم قُربُ الإسناد، ألا أخبرك بإسنادٍ لا شكّ فِيهِ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ جِبْرِيلَ، عَنِ الله تعالى: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} [التحريم: 6] فأنا وأنتَ يا أبا سُليمان من النّاس.
قال: ثمّ غشي عليه وعلى الشّيخ، وجعل زافر ينظر إليهما، ثمّ تحرّج الْفُضَيْلُ فقمنا، والشيخ مغشي عليه1.
إبراهيم بن الأشعث: كنّا إذا خرجنا مع الْفُضَيْلِ في جنازة لا يزال يعِظ ويُذكِّر ويبكي لَكَأَنّه مُوَدِّعٌ أصحابَه، ذاهبٌ إلى الآخرة، حتّى يبلغ المقابر، فيجلس فَكَأَنّه بين الموتى في الحُزْن والبكاء.
قال سهل بن راهَوَيْه: قلت لسفيان بن عُيَيْنَة: ألا ترى إلى أبي عليّ، يعني فُضَيْلا، لا تكاد تجفّ له دمعه. قال سُفيان: إذا قَرح القلب نَدِيَت العَيْنان، ثمّ تّنهد سُفيان2.
قال عبد الصّمد مَرْدَوَيْه الصائغ: سمعتُ الْفُضَيْلَ يقول: إذا علم الله من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له وإنْ قَلّ عملُه.
وقال: إنّ الله يَزْوي عن عبده الدنيا ويُمرّرها عليه، مرةً يجوع، ومرة يعرى، كما تصنع الوالدة بولدها، مرَّة صبرًا، ومرّة بُغضًا، ومرّة مراعاة له، وبذلك ما هو خيرٌ له.
وفي المجالسة للدِّيَنَوَرِيّ: نا يحيى بن المختار: سمعتُ بِشْر بن الحارث يقول: كنتُ بمكة مع الْفُضَيْلِ بن عِياض، فجلس معنا إلى نصف الليل ثمّ قام يطوف إلى أن قلت: يا أبا عليّ، ألا تنام؟ قال: ويْحك، وهل أحدُ يسمع بذِكر النّار تطِيب نفسُه أن ينام.
وقال الأصمعي: نظرت الفضيل بن عياش أن رجلا يشكوا إلى رجل فقال: تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك3.