فقتله، حتّى قتل ستة من المسلمين، وجعل يتبختر بين الصَّفّين يطلب المبارزة، ولا يخرج إليه أحد، قال: فالتفت إلى ابن المبارك وقال: يا فلان، إن حدث بن الموت فافعل كذا وكذا. وحرّك دابتهُ وبرز للعِلْج، فعالج معه ساعةً فقتل العِلْج، وطلب المبارزة، فبرز إليه علْج آخر فقتله، حتّى قتل ستة عُلوج، وطلب البراز. قال: فكأنهم كاعوا عنه فضرب دابته، وطرد بين الصَّفَّين وغاب. فلم نشعر بشيء إذ أنا بابن المبارك في الموضع الذي كان، فقال لي: يا أبا عبد الله؛ لإن حدَّثْتَ بهذا أحدًا وأنا حيّ، وذكر كلمة1.
قال الحاكم: أخبرني محمد بن أحمد بن عَمْر، نا محمد بن المنذر: حدَّثني عَمْر بن سعيد الطّائيّ، نا عَمْر بن حفص الصوفي بمنبج قال: سار ابن المبارك من بغداد يريد المصّيصة، فصحبه الصُّوفيّة فقال لهم: أنتم لكم أنفسٌ تحتشمون أن تنفق عليكم، يا غلام، هات الطّسْت. فألقى على الطّسْت منديلا ثمّ قال: يُلقي كلُّ رجلٍ منكم تحت المنديل ما معه. قال: فجعل الرجل يُلقي عشرة دراهم، والرجل يلقي عشرين درهمًا. قال: فأنفق عليهم إلى المصِّيصة، فلمّا بلغ المصّيصة قال: هذه بلاد نفيِر، وقَسَّم ما بَقِيَ، فجعل يعطي الرجل عشرين دينارًا، فيقول يا أبا عبد الرحمن: إنما أعطيت عشرين درهمًا، فيقول: وما تذكُر أنّ الله يُبارك للغازي في نفقته.
أحمد بن الحَسَن المقرئ: ثنا عبد الله بن أحمد الدَّوْرَقيّ: سمعتُ محمد بن عليّ بن الحَسَن بن شقيق: سمعتُ أبي قال: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحجّ اجتمع إليه إخوته من أهلِ مَرْو، ويقولون: نَصْحَبُك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيجعلها في صندوق، ثمّ يكتري لهم ويُطعمهم أطيب الطّعام والحَلْواء، فإذا وصلوا إلى الحَرَمَيْن يقول لكلّ منهم: ما أمَرك عيالك أن تشتري لهم؟ فيقول: كذا وكذا. ثمّ لا يزال يُنفق عليهم حتّى يصيروا إلى مَرْو. قال: فَيُجصّص دُورهم، ويصنع لهم وليمةً بعد ثلاث، ثمّ يكسوهم، فإذا أكلوا وشربوا دعا بالصندوق، ويدفع إلى كل رجلٍ منهم صُرّته عليها اسمه2.
وأخبرني خادمه أنّه عمل آخر سَفرة سافرها دَعوة، فقدّم إلى النّاس خمسةً وعشرين خِوَانًا فالُوذَج.