عَلَى بَنِي الْمُسَيِّبِ الضَّبِّيِّ، فَلَمَّا عَبَرَ إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ جَاءَ الْمَدُّ، فَقُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: تَعْبُرُ؟ قَالَ: أُمِّي لا تَدَعُنِي، فَعَبَرْتُ أَنَا، فَلَزِمْتُهُ، وَكَتَبْتُ عَنْهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ، وَكَتَبْتُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ.
وقال يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ: مَاتَ جَرِيرٌ لِيَوْمٍ خَلا مِنْ جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ1.
43- جَعْفَرٌ البرمكي2:
الوزير جعفر بن يحيى بْنِ بَرْمَكَ، أَبُو الْفَضْلِ، أَصْلُهُ مِنَ الْفُرْسِ، كَانَ مَلِيحًا، جَمِيلا، لَسِنًا، بَلِيغًا، عَالِمًا، أَدِيبًا، يُضْرَبُ بِجُودِهِ الْمَثَلُ، وَكَانَ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، غَارِقًا فِي بَحْرِ اللَّذَّاتِ وَالْمَعَاصِي.
تَمَكَّنَ مِنَ الرشيد، وبلغ من الجاه والرفعة ما لا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَوَلِيَ هُوَ وَأَبُوهُ وَإِخْوَتُهُ الأَعْمَالَ الْجَلِيلَةَ، وَكَثُرَتْ عَلَيْهِمُ الأَمْوَالُ.
وَقَدْ مَرَّ فِي الْحَوَادِثِ مِنْ أَخْبَارِهِ، وَأَنَّهُ قُتِلَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ، وَقَدْ وُلِّيَ نِيَابَةَ الْمُلْكِ عَلَى دِمَشْقَ، فَقَدِمَهَا فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ.
وَمِنْ أَلْفَاظِهِ: قَالَ مَرَّةً لِلرَّشِيدِ: إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكَ، فَأَعْطِ، فَإِنَّهَا لا تَفْنَى، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَأَعْطِ، فَإِنَّهَا لا تَبْقَى.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: هَاجَتِ الْعَصَبِيَّةُ بِالشَّامِ وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ، وَاغْتَمَّ الرَّشِيدُ، فَعَقَدَ وَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ أَنْتَ أَوْ أَخْرُجَ أَنَا. فَسَارَ إِلَيْهِمْ جَعْفَرٌ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَقَتَلَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَدَعْ لَهُمْ رُمْحًا وَلا قَوْسًا، فَهَمَدَ الأَمْرُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى دِمَشْقَ عِيسَى بْنَ الْعَكِّيِّ، وَانْصَرَفَ.
قَالَ الْخَطِيبُ: كَانَ جَعْفَرٌ عِنْدَ الرَّشِيدِ بِحَالَةٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ، وَجُودُهُ وَسَخَاؤُهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي اللِّسَانِ وَالْبَلاغَةِ.
يُقَالُ: إِنَّهُ وَقَّعَ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ تَوْقِيعٍ، ونظر في جميعها، فلم يخرج شيئًا منها عن موجب الفقه.