وَفِي هَذَا دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتِ الصُّبْحَ، فَإِنَّهَا آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، وَهِيَ الَّتِي دَعَا أُسَامَةَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، فَأَوْصَاهُ فِي مَسِيرِهِ بِمَا ذَكَرَ أَهْلُ الْمَغَازِي. وَهَذِهِ الصَّلَاةُ غَيْرُ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي ائْتَمَّ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ بِهِ، وَتِلْكَ كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ السَّبْتِ أَوْ يَوْمِ الْأَحَدِ. وَعَلَى هَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقَدِ اسْتَوْفَاهَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْحَبْرُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: اشْتَكَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَفَرٍ، فَوُعِكَ أَشَدَّ الْوَعْكِ؛ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نِسَاؤُهُ يُمَرِّضْنَهُ أَيَّامًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَنْحَازُ إِلَى الصَّلَوَاتِ حَتَّى غُلِبَ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَنَهَضَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنَ الضَّعْفِ، فَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: "اذْهَبْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَمُرْهُ فَلْيُصَلِّ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، وَإِنَّهُ إِنْ قَامَ مَقَامَكَ بَكَى، فَأْمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ"، فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ"، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ حَتَّى كَانَ لَيْلَةُ الْإِثْنَيْنِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقْلَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَعْكُ وَأَصْبَحَ مُفِيقًا، فَغَدَا إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ يَتَوَكَّأُ عَلَى الْفَضْلِ وَغُلَامٍ لَهُ يُدْعَى ثَوْبَانَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا، وَقَدْ سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي الْأُخْرَى، فَتَخَلَّصَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصُّفُوفَ يُفَرِّجُونَ لَهُ، حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَوْبِهِ فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَصَفَّا جَمِيعًا، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يَقْرَأُ، فَلَمَّا قَضَى قِرَاءَتَهُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَكَعَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ جلس أبو بكر يتشهّد والنّاس معه، فلمّا سلّم أتّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ يَوْمَئِذٍ سَقْفُهُ مِنْ جَرِيدٍ وَخُوصٍ، لَيْسَ عَلَى السَّقْفِ كَثِيرُ طِينٍ، إِذَا كَانَ الْمَطَرُ امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ طِينًا، إِنَّمَا هُوَ كَهَيْئَةِ الْعَرِيشِ، وَكَانَ أُسَامَةُ قَدْ تَجَهَّزَ لِلْغَزْوِ1.
بَابُ حَالِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا احْتَضَرَ:
قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالَا: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وجهه، فإذا اغتمّ كشفها عن