مَسِيرُ الرَّشِيدِ إِلَى هِرَقْلَةَ:

ثُمَّ سَارَ لِيَوْمِهِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى نَازَلَ مَدِينَةَ هِرَقْلَةَ، وَكَانَتْ غَزْوَةً مَشْهُورَةً وَفَتْحًا مُبِينًا، فَطَلَبَ النِّقْفُورُ الْمُوَادَعَةَ، وَالْتَزَمَ بِخَرَاجٍ يَحْمِلُهُ كُلَّ سَنَةٍ، فَأُجِيبَ، فَلَمَّا رَجَعَ الرَّشِيدُ إِلَى الرَّقَّةِ نَقَضَ الْكَلْبُ الْعَهْدَ لِإِيَاسِهِ مِنْ كَرِّ الرَّشِيدِ فِي الْبَرْدِ، فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يُبَلِّغَ الرَّشِيدَ نَقْضَهُ، بَلْ قَالَ فِي ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التَّيْمِيُّ:

نَقَضَ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ نِقْفُورُ ... فَعَلَيْهِ دَائِرَةُ الْبَوَارِ تَدُورُ

أَبْشِرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ ... غُنْمٌ أَتَاكَ بِهِ الإِلَهُ كَبِيرُ

وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ أبياتًا، وعرضت على الرشيد، فقال: أوقد فَعَلَهَا؟ فَكَرَّ رَاجِعًا فِي مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ حَتَّى أَنَاخَ بِفِنَائِهِ، فَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى بَلَغَ مُرَادَهُ، وَحَازَ جِهَادَهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:

أَلا نَادَتْ هِرَقْلَةُ بِالْخَرَابِ ... مِنَ الْمَلِكِ الْمُوَفَّقِ لِلصَّوَابِ

غَدَا هَارُونُ يُرْعِدُ بِالْمَنَايَا ... وَيُبْرِقُ بِالْمُذَكَّرَةِ الْقِضَابِ

وَرَايَاتٍ يَحِلُّ النَّصْرُ فِيهَا ... تَمُرُّ كَأَنَّهَا قِطَعُ السَّحَابِ

الرَّشِيدُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ ابْنِ نَهِيكٍ:

وَفِيهَا أَمَرَ الرَّشِيدُ بِقَتْلِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ نَهِيكٍ، لِأَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا شَرِبَ طَلَبَ سَيْفَهُ وَأَخَذَهُ وَيَقُولُ: لأَقْتُلَنَّ الرَّشِيدَ أَوْ لأَقْتُلَنَّ قَاتِلَ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى، ثُمَّ يَبْكِي حَزِنًا عَلَى جَعْفَرٍ.

وَحَجَّ وَأَقَامَ الْمَوْسِمَ عبيد الله بن العباس بن أَبِي الْمَنْصُورِ.

وَقْعَةُ الْمُضَرِيَّةِ وَالْيَمَانِيَّةِ بِدِمَشْقَ:

وَوَلِيَ دِمَشْقَ شُعَيْبُ بْنُ حَازِمِ بْنِ خُزَيْمَةَ، فَهَاجَتِ الأَهْوَاءُ بَيْنَ الْمُضَرِيَّةِ وَالْيَمَانِيَّةِ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ وَقْعَةٌ مَهُولَةٌ، ظَهَرَتْ فِيهَا الْيَمَانِيَّةُ، وَقُتِلَ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِمِائَةِ نَفْسٍ، ثُمَّ عُزِلَ شُعَيْبٌ بَعْدَ عَامٍ بمحمد بن منصور. والله أعلم1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015