وَقِيلَ: إِنَّ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ دَخَلَ بَعْدُ عَلَى الرَّشِيدِ، فَقَامَ الْغِلْمَانُ لَهُ، وَقَالَ الرَّشِيدُ لِمَسْرُورٍ: مُرْهُمْ لا يَقُومُونَ. قَالَ: فَدَخَلَ، فَمَا قَامَ أَحَدٌ، فَارْبَدَّ وَجْهُ يَحْيَى.
وَقِيلَ: إِنَّ سَبَبَ قَتْلِ جَعْفَرٍ أَنَّ الرَّشِيدَ سَلَّمَ لَهُ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، فَرَقَّ لَهُ بَعْدَ قَلِيلٍ وَأَطْلَقَهُ، وَكَانَ ابْنُ حَسَنٍ مَرْبُوعًا، أَجْلَحَ، بَطِينًا، حَسَنَ الْعَيْنَيْنِ، فَأَتَى رَجُلٌ بِصِفَتِهِ وَهَيْئَتِهِ إِلَى الرَّشِيدِ وَأَنَّهُ رَآهُ بِحُلْوَانَ، فأعطى الرجل جائزة.
وقيل: إن جعفر بَنَى دَارًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَسْرَفَ.
وَعَنْ مُوسَى بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ قَالَ: اعْتَمَرَ أَبِي فِي الْعَامِ الَّذِي نُكِبَ فِيهِ وَأَنَا مَعَهُ، فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ذُنُوبِي عَظِيمَةٌ لا يُحْصِيهَا غَيْرُكَ، إِنْ كُنْتَ مُعَاقِبِي فَاجْعَلْ عُقُوبَتِي فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَمَالِي وَوَلَدِي حَتَّى أَبْلُغَ رِضَاكَ، وَلا تَجْعَلْ عُقُوبَتِي فِي الآخِرَةِ.
وَكَانَ مُوسَى هَذَا أَحَدَ الأَبْطَالِ الْمَوْصُوفِينَ.
وَقِيلَ: إِنَّ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ قَدَحَ فِيهِ عِنْدَ الرَّشِيدِ وَأَعْلَمَهُ طَاعَةَ أَهْلِ خُرَاسَانَ لَهُ وَمَحَبَّتَهُمْ إِيَّاهُ، وَأَنَّهُ يُكَاتِبُهُمْ ويعمل على الذهاب إليهم، فاستوحش الراشيد مِنْهُ.
ثُمَّ رَكِبَ مُوسَى دَيْنٌ فَاسْتَتَرَ مِنَ الْغُرَمَاءِ، فَتَوَهَّمَ الرَّشِيدُ أَنَّهُ سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، ثُمَّ ظَهَرَ فَحَبَسَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ نَكْبَتِهِمْ، فَأَتَتْ زَوْجَةُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ إِلَى الرَّشِيدِ وَلاطَفَتْهُ، فَقَالَ: يَضْمَنُهُ أَبُوهُ، فَضَمِنَهُ يَحْيَى.
وَكَانَ الرَّشِيدُ قَدْ غَضِبَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى لِتَرْكِهِ الشُّرْبَ مَعَهُ، وَكَانَ الْفَضْلُ يَقُولُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ يُنْقِصُ مِنْ مُرُوءَتِي مَا شَرِبْتُهُ، وَكَانَ مَشْغُوفًا بِالسَّمَاعِ.
وَأَمَّا جَعْفَرٌ فَكَانَ يُنَادِمُ الرَّشِيدَ، وَأَبُوهُ يَأْمُرُهُ بِالإِقْلالِ مِنْ ذلك فيخالفه، وقد كان يحيى قال: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا وَاللَّهِ أَكْرَهُ مُدَاخَلَةَ جَعْفَرٍ مَعَكَ، لَوِ اقْتَصَرْتَ بِهِ عَلَى الإِمْرَةِ دُونَ الْعِشْرَةِ.
قَالَ: يَا أَبَهْ، لَيْسَ لِعَذَابِكَ، وَلَكِنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تُقَدِّمَ الْفَضْلَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابن جرير: حدثني أحمد بن زهير، أظنه عَنْ عَمِّهِ، زَاهِرِ بْنِ حَرْبٍ، أَنَّ سَبَبَ هَلاكِ الْبَرَامِكَةِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَانَ لا يَصْبِرُ عَنْ جَعْفَرٍ، وَعَنْ أُخْتِهِ عَبَّاسَةَ بِنْتِ