عُرِفَ الْغُلامُ بَيْنَ الْعُبَّادِ؛ لِأَنَّهُ تَنَسَّكَ وَهُوَ صَبِيٌّ، وَكَانَ خَاشِعًا قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا. وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعْدَانِ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ: قَالَ السَّكَنُ: هُوَ عُتْبَةُ بْنُ أَبَانِ بْنِ صَمْعَةَ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، قَالَ عُتْبَةُ الْغُلامُ: كَابَدْتُ الصَّلاةَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَتَنَعَّمْتُ بِهَا عِشْرِينَ سَنَةً.
قَالَ: وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ حَتَّى تَفَطَّرَتْ أَصَابِعُهُ، وَلَمْ يَدْرِ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ يَقُولُ فِي تَهَجُّدِهِ: إِنْ عَذَّبْتَنِي فَإِنِّي لَكَ مُحِبٌّ، وَإِنْ تَرْحَمْنِي، فَإِنِّي لَكَ مُحِبٌّ1.
وَكَانَ يَأْوِي إِلَى الْمَقَابِرِ وَالسَّوَاحِلِ، وَيَدْخُلُ الْبَصْرَةَ يوم الجمعة.
قال حسين الجفعيّ: قَالَ لِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: بِمَنْ يُشَبَّهُ حُزْنُ هَذَا الْغُلامِ؟ يَعْنِي عُتْبَةَ، قُلْتُ: بِحُزْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: مَا أَبْعَدْتَ2.
وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: صَحِبْتُ عُتْبَةَ الْغُلامَ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْعَرْشِ فعُتْبَةُ الغلام، قال لنا: اشتروا لي فَرَسًا يَغِيظُ الْعَدُوَّ3.
وَكَانَ يَخْرُجُ، فَيُقَالُ لَهُ: أَسْتَقْبَلَكَ أَحَدٌ؟ فَيَقُولُ: لا، اشْتِغَالا بِمَا هُوَ فِيهِ.
قَالَ: وَأَصَابَ النَّاسُ ظُلْمَةً، فَخَرَجَ عُتْبَةُ وَيَدَاهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: وَأَنْتَ تَشْتَرِي التَّمْرَ! وَيُقَالُ: كَانَ عُتْبَةُ يَصُومُ الدَّهْرَ، وكان رأس ماله فلسًا يَأْخُذُ بِهِ خُوصًا، فَيَعْمَلُهُ وَيَبِيعُهُ، فَيَأْكُلُ بِفَلْسٍ، وَيَتَصَدَّقُ بِفَلْسٍ، وَيَشْتَرِي خُوصًا، بِفَلْسٍ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ: إِنَّهُ رَأَى طَائِرًا، فَقَالَ لَهُ: تَعَالَ، فَجَاءَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ له: طر فطار4.
وقيل: إنّه كان لا يكاد ينقطع بكاؤه.
وَوَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يَأْوِي إِلَى مَنْزِلِهِ فَيُصِيبُ فِيهِ قُوتَهُ، لا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ هُوَ.
وكان ربّما غشي عليه من الموعظة.