فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: أَنْتَ فُلانٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا صَالِحٌ. قَالَ: فَزِنْدِيقٌ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنْ شَاعِرٌ أفسق في شعري، قال: اقرأه، فالتقوى سكنية، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ كِتَابَ الزَّنْدَقَةِ فَقَالَ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فَاسْتَبْقِنِي، وَأَنْشَدَهُ لِنَفْسِهِ:
مَا يَبْلُغُ الأَعْدَاءُ مِنْ جَاهِلٍ ... مَا يَبْلُغُ الْجَاهِلُ مِنْ نَفْسِهِ
وَالشَّيْخُ لا يَتْرُكُ أَخْلاقَهُ ... حَتَّى يُوَارَى فِي ثَرَى رَمْسِهِ
فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: يَا قُرَيْشُ، امْضِ بِهِ إِلَى الْمُطْبَقِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنَ الْخُرُوجِ أَمَرَنِي فَرَدَدْتُهُ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ الْقَائِلَ:
وَالشَّيْخُ لا يَتْرُكُ أَخْلاقَهُ؟
قَالَ: بَلَى، قَالَ: لا تَدَعُ أَخَلاقَكَ حَتَّى تَمُوتَ، خُذُوهُ، فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، ثُمَّ وَثَبَ الْمَهْدِيُّ فَضَرَبَهُ نِصْفَيْنِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ بَصْرِيُّ.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
الْمَرْءُ يَجْمَعُ بِخُطُوبٍ تُفَرِّقُ ... وَيَظَلُّ يَرْقَعُ وَالزَّمَانُ يُمَزِّقُ
وَلِأَنْ يُعَادِي عَاقِلا خَيْرٌ لَهُ ... مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقٌ أَحْمَقُ
فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ لا تُصَادِقْ أَحْمَقًا ... إِنَّ الصَّدِيقَ عَلَى الصَّدِيقِ مُصَدِّقُ
وَزِنِ الْكَلامَ إِذَا نَطَقْتَ فَإِنَّمَا ... يُبْدِي عُيُوبَ ذَوِي الْعُقُولِ الْمَنْطِقُ
لا أَلْفَيَنَّكَ ثَاوِيًا فِي غُرْبَةٍ ... إِنَّ الْغَرِيبَ بِكُلِّ سَهْمٍ يُرْشَقُ
مَا النَّاسُ إِلا عَامِلانِ، فَعَامِلٌ ... قَدْ مَاتَ مِنْ عَطَشٍ، وَآخَرُ يَغْرَقُ
وَإِنِ امْرُؤٌ لَسَعَتْهُ أَفْعَى مَرَّةً ... تَرَكَتْهُ حِينَ يَجُرُّ حَبْلَ يُفَرِّقُ
إِنَّ التَّرَفُّقَ لِلْمُقِيمِ مُوَافِقٌ ... فَإِذَا يُسَافِرُ فَالتَّرَفُّقُ أَوْفَقُ
بَقِيَ الَّذِينَ إِذَا يَقُولُوا يَكْذِبُوا ... وَمَضَى الَّذِينَ إِذَا يَقُولُوا يَصْدُقُوا
وَمِنْ شِعْرِهِ:
لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تُخْشَى غَوَائِلُهُ ... وَلا الْعَدُوُّ عَلَى حَالٍ بمأمون