قُلْتُ: طَلَبُ الْحَدِيثِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، وَهُوَ لَقَبٌ لأُمُورٍ عُرْفِيَّةٍ قَلِيلَةِ الْمَدْخَلِ فِي الْعِلْمِ، فَإِذَا كَانَ فُنُونٌ عَدِيدَةٌ مِنْ علم الآثار النبويّة بهذه المثابة، فما ظنّك بِطَلَبِ عِلْمِ الْجَدَلِ والعقليَّات وَالْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ؟ آهٍ، وَاحَسْرَتَاهْ عَلَى قِلَّةِ مَنْ يَعْرِفُ دِينَ الإِسْلامِ كَمَا يَنْبَغِي، وَمَا أَحَلَّ فِي الْقَلِيلِ الْمُتَعَيَّنِ، إِذَا كَانَ مِثْلُ سُفْيَانَ يَوَدُّ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ عِلْمِهِ كَفَافًا، فَمَا نَقُولُ: نَحْنُ؟ وَاغَوْثَاهُ بِاللَّهِ.

قَالَ الْخُرَيْبِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلنَّاسِ مِنَ الْحَدِيثِ.

وَسَمِعَهُ الْفِرْيَابِيُّ يَقُولُ: مَا مِنْ عَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْحَدِيثِ إِذَا صَحَّتْ فِيهِ النِّيَّةُ.

قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَكُنْ مِثْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَالشَّعْبِيِّ فِي زَمَانِهِ، وَالثَّوْرِيِّ فِي زَمَانِهِ1.

وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: شَبِعَ سُفْيَانُ لَيْلَةً فَقَالَ: إِنَّ الْحِمَارَ إِذَا زِيدَ فِي عَلَفِهِ، زِيدَ فِي عَمَلِهِ، فَقَامَ حَتَّى أَصْبَحَ.

وَقَالَ أبو أسامة: مرض سفيان فذهب بِبَوْلِهِ إِلَى الطَّبِيبِ، فَقَالَ: هَذَا بَوْلُ رَاهِبٍ، قَالَ: بَوْلُ مَنْ أَحْرَقَ الْحُزْنُ كَبِدَهُ، مَا لِذَا دَوَاءٌ.

قَالَ ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إِنَّمَا كَانَتِ الْعِرَاقُ تَجِيشُ عَلَيْنَا بِالْمَالِ وَالثِّيَابِ، ثُمَّ صَارَتْ تَجِيشُ عَلَيْنَا بِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.

قَالَ ضَمْرَةُ: وَكَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ حِفْظٌ.

قَالَ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ لِي سُفْيَانُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَرَى غَدًا مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ مِمَّا هُوَ فِيهِ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا سُفْيَانُ، طَبَخْتُ لَهُ سكباحًا فأكل، ثم أتنيه بِزَبِيبِ الطَّائِفِ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّزَّاقِ، اعْلِفِ الْحِمَارَ وَكَدِّهِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى الصَّبَاحِ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ: رَأَيْتُ الثَّوْرِيَّ سَاجِدًا عِنْدَ الْبَيْتِ، فَطُفْتُ سبعة أسابيع قبل أن يرفع رأسه2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015