وَكَانَ رَاسِيًا فِي عِلْمِ اللِّسَانِ، خَيِّرًا مُتَوَاضِعًا، ذَا زُهْدٍ وَعَفَافٍ.
يُقَالُ: إِنَّهُ دَعَا بِمَكَّةَ أَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ عِلْمًا لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَقَدْ فُتِحَ لَهُ بِعِلْمِ الْعَرُوضِ، فَصَنَّفَ فِيهِ، وَصَنَّفَ أَيْضًا كِتَابَ الْعَيْنِ فِي اللُّغَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ فَقَالَ: يَرْوِي الْمَقَاطِيعَ.
وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُتَقَشِّفِينَ فِي الْعِبَادَةِ، وَهُوَ الْقَائِلُ:
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ لَحْمٌ ... كَفَاكَ خَلٌّ وَزَيْتُ
إِنْ لا يَكُنْ ذَا وَلا ... ذَا فَكِسْرَةٌ وَبَيْتُ
تَظَلُّ فِيهِ وَتَأْوِي ... حَتَّى يَجِيئَكَ مَوْتُ
هَذَا لَعَمْرِي كَفَافٌ ... لَكِنْ تَضُرُّكَ لَيْتُ
وَقِيلَ: كَانَ لِلْخَلِيلِ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ وَالِي فَارِسَ رَاتِبٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ لِيَفِدَ عَلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْخَلِيلُ:
أَبْلِغْ سُلَيْمَانَ أَنِّي عَنْهُ فِي شُغُلٍ ... وَفِي غِنًى غَيْرَ أَنِّي لست ذا مال
سخي بنفسي، أنّي لا أَرَى أَحَدًا ... يَمُوتُ هَزْلا وَلا يَبْقَى عَلَى حَالِ
الرِّزْقُ عَنْ قَدَرٍ لا الضَّعْفُ يَنْقُصُهُ ... وَلا يَزِيدُ فِيهِ حَوْلُ مُحْتَالِ
وَالْفَقْرُ فِي النَّفْسِ لا فِي الْمَالِ تَعْرِفُهُ ... وَمِثْلُ ذَاكَ الْغِنَى فِي النَّفْسِ لا الْمَالِ
قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: أَقَامَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ فِي خُصٍّ بِالْبَصْرَةِ لا يُقَدَّرُ عَلَى فَلْسَيْنِ، وَتَلامِذَتُهُ يَكْتَسِبُونَ بِعِلْمِهِ الأَمْوَالَ.
وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ الأَخْطَلِ:
وَإِذَا افْتَقَرْتَ إِلَى الذَّخَائِرِ لَمْ تَجِدْ ... ذُخْرًا يَكُونُ كَصَالِحِ الأَعْمَالِ.
وَقَدْ كَانَ الْخَلِيلُ آيَةً فِي قُوَّةِ الذَّكَاءِ.
قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: مَا رَأَيْتُ فِي الْمَشَايِخِ أَشَدَّ تَوَاضُعًا مِنْكَ يَا خَلِيلُ بْنَ أَحْمَدَ، لا ابْنَ عَوْنٍ، وَلا غَيْرَهُ.
وَيُقَالُ: بَرَزَ مِنْ أَصْحَابِ الْخَلِيلِ أَرْبَعَةٌ: النَّضْرُ، وَسِيبَوَيْهِ، وَعَلِيُّ بن نصر،