أَحْسَبُهُ بَلَغَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كُنْتُ غُلامًا تَبَعًا لِأَبِي، فَضُرِبْتُ خَمْسِينَ سَوْطًا، ثُمَّ حُبِسْتُ حَتَّى أَخْرَجَنِي الْمَهْدِيُّ.

وَقِيلَ: بَلْ قَتَلَ عُثْمَانُ لِأَنَّهُ سَأَلَهُ أَيْنَ الْمَالُ؟ قَالَ: دَفَعْتُهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَسَبَّهُ، فَجَاوَبَهُ عُثْمَانُ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ1.

وَقِيلَ: قَالَ لَهُ: أَنْتَ الْخَارِجُ عَلَيَّ؟ قَالَ: بَايَعْتُ أَنَا وَأَنْتَ رَجُلا بِمَكَّةَ، فَوَفَّيْتُ أَنَا، وَغَدَرْتَ أَنْتَ.

وَاسْتَعْمَلَ الْمَنْصُورُ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الرَّبِيعِ الْحَارِثِيَّ، فَثَارَتْ عَلَيْهِ السُّودَانُ بِالْمَدِينَةِ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ جُنْدِهِ انْتَهَبَ شَيْئًا مِنَ السُّوقِ، فَاجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ إِلَى ابْنِ الرَّبِيعِ فَكَلَّمُوهُ، فَلَمْ يُنكِرْ وَلا غَيَّرَ، ثُمَّ اشْتَرَى جُنْدِيٌّ مِنْ لَحَّامٍ وَأَبَى أَنْ يُوَفِّيهِ الثَّمَنَ وَشَهَرَ سَيْفَهُ عَلَى اللَّحَّامِ، فَطَعَنَهُ اللَّحَّامُ بِشَفْرَتِهِ فِي خَاصِرَتِهِ فَسَقَطَ، فَتَنَادَى الْجَزَّارُونَ وَالسُّودَانُ عَلَى الْجُنْدِ وَهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَى الْجُمْعَةِ، فَقَتَلُوهُمْ بِالْعُمُدِ، فَهَرَبَ ابْنُ الرَّبِيعِ بِاللَّيْلِ، وَهَذَا تَمَّ فِي آخِرِ الْعَامِ2.

وكان رؤوس السُّودَانِ ثَلاثَةٌ: وَثِيقٌ وَيَعْقِلُ وَرَمَقَةَ، فَخَرَجَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ مِنَ السِّجْنِ، فَخَطَبَ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الطَّاعَةِ، فَسَكَنَ النَّاسُ، وَرَجَعَ ابْنُ الرَّبِيعِ وَقَطَعَ يَدَ وَثِيقٍ وَأَيْدِي ثَلاثَةٍ مَعَهُ.

بِنَاءُ بَغْدَادَ:

فِي هَذِهِ السَّنَةِ أُسِّسَتْ مَدِينَةُ السَّلامِ "بَغْدَادُ" وَهِيَ الَّتِي تُدْعَى مَدِينَةُ الْمَنْصُورِ.

سَارَ الْمَنْصُورُ يَطْلُبُ مَوْضِعًا يَتَّخِذُهُ بَلَدًا، فَبَاتَ لَيْلَةً، وَكَانَ فِي مَوْضِعِ الْقَصْرِ بَيْعَةُ قِسٍّ، فَطَابَ لَهُ الْمَبِيتُ، وَأَقَامَ يَوْمًا فَلَمْ يَرَ إِلا ما يجب، فقال: ها هنا ابْنُوا فَإِنَّهُ طَيِّبٌ، وَتَأْتِيهِ مَادَّةُ الْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَالأَنْهَارِ، فَخَطَّ بَغْدَادَ، وَوَضَعَ أَوَّلَ لَبِنَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، ابْنُوا على بركة الله، وذلك بعد أن بعث رِجَالا لَهُمْ فَضْلٌ يَتَطَلَّبَانِ مَوْضِعًا، ثُمَّ وَقَعَ الاخْتِيَارُ عَلَى هَذِهِ الْبُقْعَةِ، وَسَأَلَ رَاهِبًا هُنَاكَ عن أمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015