لِأَبِي رَجَاءٍ: مَا تَذْكُرُ؟ قَالَ: أَذْكُرُ قَتْلَ بَسْطَامٍ، ثُمَّ أَنْشَدَ:
وَخَزَّ عَلَى الأَلاءَةِ لَمْ يُوَسَّدْ ... كَأَنَّ جَبِينَهُ سيفٌ صَقِيلُ
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قتل بسطام قبل الإسلام بقليل. أبو يلمة التَّبُوذَكِيُّ: ثَنَا أَبُو الْحَارِثِ الْكَرْمَانِيُّ -ثِقَةٌ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُولُ: أَدْرَكْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا شَابٌّ أَمْرَدُ وَلَمْ أَرَ نَاسًا كَانُوا أَضَلَّ مِنَ الْعَرَبِ، كَانُوا يَجِيئُونَ بِالشَّاةِ الْبَيْضَاءِ فَيُقَيِّدُونَهَا، فَيَخْتَلِسُهَا الذِّئْبُ، فَيَأْخُذُونَ أخرى مكانها فيقيدونها، وإذا رأوا صخرة ً حَسَنَةً جَاءُوا بِهَا وَصَلُّوا إِلَيْهَا، فَإِذَا رَأَوْا أَحْسَنَ مِنْهَا رَمَوْهَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَرْعَى الإِبِلَ عَلَى أَهْلِي فَلَمَّا سَمِعْنَا بِخُرُوجِهِ لَحِقْنَا بِمُسَيْلِمَةَ.
وَقِيلَ اسْمُ أَبِي رَجَاءٍ: عُثْمَانُ بْنُ تَيْمٍ، وَبَنُو عُطَارِدٍ بطنٌ مِنْ تَمِيمٍ، وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا رَجَاءٍ كَانَ يَخْضِبُ رَأْسَهُ دُونَ لِحْيَتِهِ. قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيُّ: كَانَ أَبُو رَجَاءٍ عَابِدًا، كَثِيرَ الصَّلاةِ وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، كَانَ يَقُولُ: مَا آسَى عَلَى شيءٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلا أَنْ أُعَفِّرَ فِي التُّرَابِ وَجْهِي كُلَّ يومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ أَبُو رَجَاءٍ رَجُلا فِيهِ غَفْلَةٌ وَلَهُ عِبَادَةٌ، عُمِّرَ طَوِيلا أَزْيَدَ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، ومات سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: مَاتَ سَنَةَ سبعٍ وَمِائَةٍ. وَقِيلَ: مَاتَ سَنَةَ ثمانٍ وَمِائَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَكَرَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: اجْتَمَعَ فِي جَنَازَةِ أَبِي رَجَاءٍ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالْفَرَزْدَقُ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ: "يَا أَبَا سَعِيدٍ، يَقُولُ النَّاسُ: اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْجَنَازَةِ خَيْرُ النَّاسِ وَشَرُّهُمْ، فقال الحسن: لست بخيرالناس وَلَسْتُ بِشَرِّهِمْ، لَكِنَّ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ يَا أَبَا فِرَاسٍ؟ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لا الله لا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّاسَ مَاتَ كَبِيرُهُمْ ... وَقَدْ كَانَ قَبْلُ الْبَعْثِ بَعْثُ مُحَمَّدِ
وَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ الْيَوْمَ سَبْعُونَ حَجَّةً ... وَسِتُّونَ لَمَّا بَاتَ غَيْرَ مُوَسَّدِ
إِلَى حفرةٍ غَبْرَاءَ يَكْرَهُ وِرْدَهَا ... سِوَى أَنَّهَا مَثْوَى وضيعٍ وَسَيِّدِ
وَلَوْ كَانَ طُولُ الْعُمْرِ يُخَلِّدُ وَاحِدًا ... وَيَدْفَعُ عَنْهُ عَيْبَ عُمْرِ مُمَرِّدِ
لَكَانَ الَّذِي رَاحُوا بِهِ يَحْمِلُونَهُ ... مُقِيمًا وَلَكِنْ لَيْسَ حيٌ بِمُخَلَّدِ
نَرُوحُ وَنَغْدُو وَالْحُتُوفُ أَمَامَنَا ... يَضَعْنَ لَنَا حَتْفَ الرَّدَى كل مرصد