أَمَّرَ عُمَرَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَوُلِيَهَا مِنْ سَنَةِ ستٍّ وَثَمَانِينَ، إِلَى سَنَةِ ثلاثٍ وَتِسْعِينَ، وَعُزِلَ، فَقَدِمَ الشَّامَ، ثُمَّ إِنَّ الْوَلِيدَ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَعْزِلَ أَخَاهُ سُلَيْمَانَ مِنَ الْعَهْدِ وَأَنْ يَجْعَلَ وَلِيَّ عَهْدِهِ وَلَدَهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ الْوَلِيدِ، فَأَطَاعَهُ كثيرٌ مِنَ الأَشْرَافِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَصَمَّمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَامْتَنَعَ، فَطَيَّنَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الأَحَدِ بْنُ اللَّيْثِ الْفِتْيَانِيُّ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: أَتَى فَتَيَانِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالُوا: إِنَّ أَبَانَا تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالا عِنْدَ عَمِّنَا حُمَيْدٍ الأَمَجِيِّ، فَأَحْضَرَهُ عُمَرُ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الْقَائِلُ:
حُمَيْدٌ الَّذِي أمجٌ دَارُهُ ... أَخُو الْخَمْرِ ذُو الشَّيْبَةِ الأَصْلَعُ
أَتَاهُ الْمَشِيبُ عَلَى شُرْبِهَا ... فَكَانَ كَرِيمًا فَلَمْ يَنْزَعُ
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا أَرَانِي إِلا حَادُّكَ، أَقْرَرْتُ بِشُرْبِهَا، وَأَنَّكَ لَنْ تَنْزَعَ عَنْهَا، قَالَ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ، أَلَمْ تَسْمَعِ اللَّهَ يَقُولُ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 224-226] قَالَ: أَوْلَى لَكَ يَا حُمَيْدُ مَا أَرَاكَ إِلا قَدْ أُفْلِتَّ، وَيْحَكَ يَا حُمَيْدُ، كَانَ أَبُوكَ رَجُلا صالحًا وأنت رجل سوءٍ، قال: أصلحك الله وَأَيُّنَا يُشْبِهُ أَبَاهُ، كَانَ أَبُوكَ رَجُلَ سوءٍ، وأنت رجلٌ صالحٌ، قَالَ: إِنَّ هَؤُلاءِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاهُمْ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالا عِنْدَكَ، قَالَ: صَدَقُوا، وَأَحْضَرَهُ بِخَتْمِ أَبِيهِمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَبَاهُمْ مَاتَ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَكُنْتُ أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِي، وَهَذَا مَالُهُمْ، قَالَ: مَا أحدٌ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْكَ، فَامْتَنَعَ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أسلم: قال أنس -رضي الله عنهم: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إمامٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْبَهَ صَلاةً بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْفَتَى، يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ عُمَرَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: فَكَانَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَيُخَفِّفُ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ. رَوَاهُ الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ1.
قَالَ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ الْمُلائِيُّ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: هُوَ نَجِيبُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ الْعُلَمَاءُ مَعَ عُمَرَ بْنِ