فَفَتَحَ الْبَابَ، ثُمَّ صَاحَ الْبَصْرِيُّ أَسْرِجُوا، فَأُسْرِجَتِ الشُّمُوعُ حَتَّى كَأَنَّهُ النَّهارُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ مَرَّ بِكُمْ فَاضْبِطُوهُ، وَدَخَلَ كَمَا هُوَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَعْرِفُهُ، فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ لا يَجِدُهُ، فَطَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: هَيْهَاتَ، تُرِيدُونَ أَنْ تَقْتُلُوا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: فَطَلَبَهُ فِي شَقٍّ كَانَ قَدْ هيأه سَرَبًا، قَالَ: فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الشَّقِّ، فَإِذَا بِثَوْبِهِ فَاجْتَرَّهُ فَأَخْرَجَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلْفَرْغَانِيِّينَ: ارْبُطُوا، فَرَبَطُوهُ، قَالَ: فَبَيْنَا هُمْ يَسِيرُونَ به إذ قَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28] . الآيَةَ. فَقَالَ أَهْلُ فَرْغَانَةَ: هَذَا كُرْآنَنَا فَهَاتِ كُرْآنَكَ، فَسَارَ بِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ عَبْدَ الْمَلِكِ، فَأَمَرَ بِخَشَبَةٍ فَنُصِبَتْ، وَصَلَبَهُ، وَأَمَرَ رَجُلا بِحَرْبَةٍ فَطعَنَهُ، فَأَصَابَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلاعِهِ، فَكَفَّتِ الْحَرْبَةُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَصِيحُونَ: الأَنْبِيَاءُ لا يَجُوزُ فِيهِمُ السِّلاحُ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَنَاوَلَ الْحَرْبَةَ وَمَشَى إِلَيْهِ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ1.
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فقال: لو حضرت مَا أَمَرْتُكَ بِقَتْلِهِ، قَالَ: وَلِمَ؟! قَالَ: كَانَ بِهِ الْمُذْهبُ، فَلَوْ جَوَّعْتَهُ ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُ.
قَالَ الْوَلِيدُ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ خَالِدَ بْنَ اللَّجْلاجِ يَقُولُ لِغَيْلانَ: وَيْحَكَ يَا غَيْلانُ، أَلَمْ نَأْخُذْكَ فِي شَبِيبَتِكَ تُرَامِي النِّسَاءَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِالتُّفَّاحِ، ثُمَّ صِرْتَ حَارِثِيًّا تَحْجُبُ امْرَأَتَهُ، وَتَزْعُمُ أَنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ صِرْتَ قَدَرِيًّا زِنْدِيقًا؟.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عَامِرٍ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: دَخَلَ الْقَاسِمُ بْنَ مُخَيْمِرَةَ عَلَى أَبِي إِدْرِيسَ فَقَالَ: إِنَّ حَارِثًا لَقِيَنِي فَأَخَذَ عَهْدِي لأَسْمَعَنَّ مِنْهُ، فَإِنْ قَبِلْتَهُ قَبِلْتَهُ وَإِنْ سخطته كتمت علي. فزعم أن رَسُولُ اللَّهِ، قُلْتُ: إِنَّهُ أَحَدُ الدَّجَّالِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ الساعة لا تقوم حتى يخرج ثلاثين دَجَّالا، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَهُوَ أَحَدُهُمْ، فَارْفَعْ شَأْنَهُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: أَسَأْتَ، لَوْ أَدْنَيْتَهُ إِلَيْنَا حَتَّى نَأْخُذَهُ، قَالَ: وَرَفَعَ أَمْرَهُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَطَلَبَهُ وَتَغَيَّبَ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فَصَلَبَهُ، فَحَدَّثَنِي مِنْ سَمِعَ عُتْبَةَ الأَعْوَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَلاءَ بْنَ زِيَادٍ يَقُولُ: مَا غَبَطْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بِشَيْءٍ مِنْ وِلَايَتِهِ إِلا بِقَتْلِهِ حَارِثًا.
وَقَالَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْلَةَ قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ الْحَارِثُ أَتَاهُ مَكْحُولٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا، وجَعَلا لَهُ الأَمَانَ، وسألاه عن أمره، فأخبرهما، فكذبا وردا